أما بعد...

تنقيح قوانين

تصغير
تكبير

في زمن تتسارع فيه التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن لأي دولة أن تبقى أسيرة نصوص قانونية كُتبت قبل عقود وحقبٍ سابقة. وفي ظروف مغايرة تماماً لما نعيشه اليوم. فالقانون - كما يُقال - هو روح الدولة، وإذا جمد، جمدت معه حركة المجتمع وتراجعت فعالية المؤسسات.

من هنا تبرز ضرورة تنقيح القوانين باعتبارها خطوة إصلاحية لا تقل أهمية عن الإصلاح السياسي أو الاقتصادي.

قانون قديم وواقع جديد

الكثير من التشريعات في عالمنا العربي وُضع في حقب سابقة، حين كانت مفاهيم الدولة والإدارة والعلاقات الاجتماعية مختلفة جذرياً عما هي عليه اليوم. ومع مرور الزمن، تراكمت التعديلات الجزئية واللوائح المتفرقة حتى تحوّلت بعض القوانين إلى متاهة قانونية لا يفهمها المواطن العادي، ولا حتى المشتغل بالشأن القانوني أحياناً.

إنّ بقاء هذه النصوص من دون مراجعة يُحدث فجوة بين القانون والواقع، فتُصبح بعض الأحكام غير قابلة للتطبيق، أو تُستخدم بانتقائية، وهو ما يُضعف الثقة العامة في العدالة والنظام.

الإصلاح القانوني ركيزة الإصلاح العام

تنقيح القوانين لا يعني مجرد حذف أو تعديل مواد قديمة، بل هو عملية إصلاح شاملة تضمن أن يواكب النظام القانوني متطلبات العصر - من التحول الرقمي إلى الجرائم الإلكترونية، ومن الاستثمار العالمي إلى حقوق الإنسان والمواطنة.

فالدولة الحديثة التي تسعى إلى التنمية والاستقرار، لا يمكن أن تُدار بقوانين وُضعت في زمنٍ لم يكن فيه إنترنت، ولا شركات عابرة للحدود، ولا اقتصاد رقمي.

التنقيح ضمان للعدالة والاستقرار

إن تنقيح القوانين يحقق جملة من الأهداف الكبرى:

- ترسيخ العدالة والمساواة بإزالة الثغرات التي تفتح الباب أمام التفسيرات المتناقضة.

- تحديث بنية الدولة القانونية بما يضمن انسجام التشريعات مع الدستور والمواثيق الدولية.

- تعزيز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، حين يرى أن القانون يُواكب احتياجاته اليومية.

خطوة لا بد منها

قد يبدو تنقيح القوانين مشروعاً ضخماً ومعقداً، لكنه ضرورة وطنية لا خيار عنها. فالدولة التي لا تُراجع قوانينها، تُغامر بمستقبلها القانوني والإداري. التنقيح ليس ترفاً تشريعياً، بل هو عملية «صيانة» مستمرة لضمان أن يبقى القانون حياً، عادلاً، ومتفاعلاً مع المجتمع.

إنّ الإصلاح يبدأ من النص، ومن النص يولد العدل، ومن العدل تُبنى الدولة الحديثة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي