إلى الطفل الصغير الذي يسكن أعماقك وأعماقي، تحيّةٌ معطّرة مضمونها كلّ الحُب.
ذاك الطفل الذي ظلّ حيّاً في الذاكرة رغم مرور السنين، يظهر أحياناً من بين الملامح، يبتسم لك تارةً، ويعاتبك بصمتٍ تارةً أخرى.
كبرنا نحن، لكنه لم يكبر. مازال يسكننا كما هو؛ بالدهشة الأولى ذاتها، وبالخوف الخفيّ ذاته من الفقد، أو الخسارات، ينتظر أن نلتفت إليه، أن نصالحه، ونمنحه ما لم نمنحه لأنفسنا يوماً: الأمان.
نغرق في عجلة الحياة فننقطع عن ذلك الجزء الأصيل فينا، عن براءتنا الصغيرة التي لاتزال تختبئ في زاويةٍ من الروح، تتنفّس بهدوء وتراقب بصمت.
ذلك الجزء الذي لم يتلوّث بعدُ بالحذر، ولا يعرف الأقنعة، ولا يجيد التزييف.
طفلُنا الداخلي لا يعرف الخبث ولا الرياء، يرى الخير في الناس بالفطرة، ويمنح حبَّه بلا قيد أو شرط، يعيش بصفاء لا تقدر عليه عقول الكبار.
ومع ذلك، نكتم صوته، ونؤجّل حضوره، ونسوّغ غيابه بحجّة النضج والانشغال، حتى نصحو فجأةً على حنينٍ غامض، لا نعرف مصدره ولا نملك له تفسيراً ربما هو ذاك الطفل، يطرق باب القلب بلطف يسألنا عن أشيائه القديمة التي أضعناها بهجته الأولى، ثقته البسيطة، عفويته المحضة، ودهشته النقيّة تجاه الحياة.
لسنا بحاجةٍ إلى الكثير لنراه من جديد.
أحياناً تكفي لحظةُ سكون، أو صورةٌ قديمة نسيها الغبار، أو لعبة صغيرة تعيدنا إلى زمنٍ لم نكن فيه نخشى الكثير كما اليوم، وربما في نظرةٍ صافية إلى المرآة، حين نكتشف أن الملامح تغيّرت، لكن العيون هي ذاتها العينان اللتان كانتا تضحكان للعالم دون تحفظ، وتبكيان بصدقٍ من دون خجل او مواراة.
ذاك الطفل الصغير مازال فينا، شاهداً على نقائنا الأول، وعلى محاولاتنا الدائمة لمواجهة الحياة بكل تقلباتها ومراحلها التي أنضجته، وزادتنا عمراً فوق عمر.
في داخل كلّ واحدٍ منّا طفلٌ صغير، لا يموت، لا يشيخ، ينتظر فقط أن نطمئنه، لأنّ كلّ محاولاتنا في الحياة، في حقيقتها، ليست سوى سعيٍ لإسعاده من جديد.
واليوم أقولها بهدوءٍ وصدق:
أحبكِ يا ذاتي، وأحبّ ذلك الطفل الذي يسكنك؛ فهو نواةُ إنسانيّتنا حين تبهت الأشياء، وتشتد الحياة، وهو الدليل الصامت على أننا، مهما قست الحياة، مازلنا نستطيع البدء من جديد.
«ولأجلكِ ألف مرّة» نحاول دوماً.