«الإعدام بين المؤيد والمعارض»

تصغير
تكبير

أستفتح مقالي بقول الله سبحانه وتعالى:

«وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ». فالقاتل يُقتل.

ولو نظرنا إلى الأمر من زاوية المنطق والعدل والإنسانية، فسنجد أن شخصاً يتعمّد ويخطّط ويُبيّت النية لإزهاق روح إنسان آخر، مهما كانت أسبابه ودوافعه التي ينظر إليها القضاء ويمحّصها القانون بجميع درجاته، فكيف يُعقل أن ينتهي به المطاف بعد استنفاد الأعذار إلى السجن، يأكل ويشرب ويتنفس، بينما يبقى أهل الضحية ومحبوه محرومين منه إلى الأبد؟ هل في ذلك عدالة؟ حتى وإن كانت العقوبة السجن المؤبد؟

صحيح أن الفريق الرافض لعقوبة الإعدام يتمسّك بفكرة أن وقوع الخطأ القضائي أو الإجرائي، وارد، وأن إعدام بريء جريمة لا يمكن تداركها، غير أن هذا الاحتمال في قضايا القتل العمد، ضئيل للغاية، إذ إن مثل هذه القضايا تمرّ عبر جميع درجات التقاضي، وتُفحص تفاصيلها بدقة متناهية، فلا مجال للاعتباط أو التسرّع.

من هنا، يصبح القول بأن احتمال الخطأ كافٍ لإلغاء القصاص أشبه بتهويل ومبالغة فجة تفزغ العقوبة من قيمتها!

وبرأيي، فإن الإعدام خير رادع لمثل هذه الجرائم. فالعقوبات المقيدة للحرية، وإن كانت قاسية، لا تكفي. الحرية هي جوهر حياة الإنسان، لكن تقييدها قد يمنح الجاني فرصة للمكابرة أو التفاخر، كما رأينا في حالات عديدة لقتلة متسلسلين حوكموا بالمؤبد، فظلوا يتباهون بجرائمهم، بل وحُوّلت قصصهم إلى مواد إعلامية ووثائقية جعلت منهم نماذج مُلهمة لبعض المختلين من خلف قضبانهم.

وهنا تتبدّى المفارقة، السجن المؤبد قد يحوّل الجريمة إلى «قصة» بينما القِصاص يقطع دابرها وأثرها تماماً!

أما القِصاص، فإنه لا يقتصر على كونه عقوبة دنيوية فحسب، بل يجمع بين الحساب الأخروي والجزاء الأرضي معاً. إنه يُعيد التوازن الذي اختلّ بسقوط الدم، ويُغلق أبواب الجدل والتأويل والاحتمالات، والإنسان بطبيعته يحمل هاجساً دائماً من الموت فهو حتى في أشد لحظات يأسه يتردّد طويلًا قبل الإقدام على الانتحار، وتظلّ غريزته تدفعه دوماً للتشبّث بالحياة ومن هنا، فإن مواجهة هذا الهاجس بالعقوبة القصوى تظلّ أشد وقعاً ورهبة من أي عقوبة أخرى، وأقدر على ردع النفس الأمّارة بالسوء.

القِصاص -إذاً- ليس مجرد إزهاق لروحٍ أزهقت روحاً، بل هو إعادة ترميم للميزان الأخلاقي الذي اهتزّ، ورسالة للمجتمع أن الدماء مصونة، وأن العدالة الحقة لا تُساوم... وعلى الرغم من تعاطفي الإنساني الكبير، تبقى عقوبة الإعدام في مثل هذه القضايا هي الحاسمة والجازمة إلى أبعد الحدود، ولا توجد عقوبة أخرى تعادل أثرها أو تقوم مقامها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي