أما بعد

هندسة التجويع الصهيونية

تصغير
تكبير

منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، اعتمد الكيان الصهوني الإسرائيلي سياسة ممنهجة تقوم على تجويع المدنيين كأداة حرب وضغط سياسي. إذ لم تعد آلة القتل وحدها هي المستخدمة ضد الشعب الفلسطيني، بل أُضيف إليها حصار خانق يستهدف الغذاء والماء والدواء، في خرق صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية.

إن قطاع غزة يعيش تحت حصار إسرائيلي مشدد منذ أكثر من 18 عاماً، لكن الحرب الأخيرة جعلت سياسة الحصار تتحول إلى تجويع جماعي منظم. تم منع دخول المواد الغذائية الأساسية، وأُغلقت المعابر، فيما تتعرض الشاحنات القليلة المسموح لها بالعبور للتفتيش والإعاقة المتعمدة. هذا الوضع أدى إلى نقص حاد في المواد التموينية وارتفاع جنوني للأسعار، مما جعل عشرات الآلاف من العائلات عاجزة عن توفير الحد الأدنى من احتياجاتها اليومية.

وبشكل واضح، فإن القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف، يجرّم استخدام التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين. ومع ذلك، تواصل إسرائيل هذه السياسة وسط عجز المجتمع الدولي، وصمت القوى الكبرى، بل إن بعض الدول تبرر أو تتغاضى عن هذه الجرائم بحجة «الأمن القومي الإسرائيلي».

التجويع في غزة، ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو أداة سياسية لإخضاع الفلسطينيين وإجبارهم على الرضوخ لشروط إسرائيل. فحين يُحرَم الإنسان من لقمة العيش، يصبح أكثر عرضة للانكسار النفسي والاجتماعي. غير أن تجربة الشعب الفلسطيني عبر العقود تثبت أن سياسة التجويع والحصار لم تكسر إرادته، بل زادته إصراراً على المقاومة.

التجويع الجماعي في غزة، اختبار أخلاقي وقانوني للمجتمع الدولي. فالتغاضي عن هذه السياسة يعني تشجيع استخدامها كسابقة خطيرة في النزاعات المسلحة حول العالم. على الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، والدول الفاعلة، أن تتحرك بشكل عاجل لوقف هذه الجريمة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون قيود.

إن الكيان الصهيوني -اليوم- لا يحارب الفلسطينيين بالسلاح فقط، بل يسعى إلى كسر إنسانيتهم عبر الجوع.

غير أن هذا النهج، رغم وحشيته، لن يحقق أهدافه السياسية، فشعب اعتاد على الصمود لعقود لن يهزمه الجوع. إن ما يجري في غزة، ليس مجرد معركة عسكرية، بل معركة أخلاقية، تكشف زيف شعارات العالم عن الحرية وحقوق الإنسان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي