«أي عثرة تقنية قد تؤدي إلى انقطاعات مع الاعتماد الكلي على توربينات الغاز»

خبير في «الأبحاث»: المفاعل النووي الصغير... جسر الكويت إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعي

الباحث الدكتور بدر المطيري
الباحث الدكتور بدر المطيري
تصغير
تكبير

- بدر المطيري لـ «الراي»:
- بعض المسؤولين يؤكدون أن الحكومة تدرس الخيارات... لكن الوقت يداهمنا
- التحدي الأكبر لا يتعلق بالتقنيات أو الإمكانات بل بالتنظيم والإدارة
- دول خليجية بدأت مشاريع كبرى لتأمين الطاقة الكافية لمشروعات الذكاء الاصطناعي
- المفاعلات الصغيرة تعالج مشكلة الشح المائي وتوفر التبريد لمراكز البيانات

كشف الباحث العلمي المشارك والخبير في الطاقة النووية بمعهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور بدر المطيري، أن إنشاء مفاعل نووي صغير في الكويت سيكون بمثابة جسر يقود البلاد إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن الوحدة الواحدة من المفاعلات النووية الصغيرة المعيارية (SMRs) تنتج ما بين 20 و300 ميغاواط كهرباء، ويمكن بناؤها في مساحة صغيرة دون انبعاثات كربونية.

وأكد المطيري، في تصريح لـ«الراي»، أن «هذه الوحدات تعمل دون انقطاع، على خلاف الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، ولا تتذبذب قدرتها مع تغير الطقس»، كما أن «حرارتها العالية يمكن أن تستخدم لتحلية المياه، ما يعالج مشكلة الشح المائي في الكويت، ويوفر تبريداً مستداماً لمراكز البيانات للذكاء الاصطناعي».

عرض «مايكروسوفت»

وتحدّث المطيري عن عرض قدمته شركة «مايكروسوفت»، خلال زيارة وفد يمثلها إلى الكويت قبل أشهر، وهو إنشاء مركز ضخم لخدمات الحوسبة السحابية يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويضع خوادم الشركة واستثماراتها داخل البلاد. لكن الوفد اشترط شرطاً جوهرياً، حيث قال أحد أعضائه إن «الذكاء الاصطناعي لا ينام، وكذلك شبكتكم الكهربائية يجب ألا تتوقف».

وبين أن «جملة الوفد تبدو بسيطة، لكنها تكشف واقعاً حساساً، فخدمات الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى طاقة كهربائية مستمرة، بلا انقطاع، وعلى مدار الساعة، وهذا ما بدأت دول الخليج الأخرى الالتفات إليه».

وقال إن «هذا التحذير لم يكن وقفاً على الكويت، بل تردّد صداه في العواصم الخليجية التي بدأت سباقاً محموماً لتأمين الطاقة الكافية لمشروعات الذكاء الاصطناعي العملاقة. ففي أبو ظبي، يقود الصندوق السيادي (MGX) شراكة ضخمة مع شركات عالمية، مثل مايكروسوفت وبلاك روك، لبناء مراكز بيانات عملاقة، باستثمارات تصل إلى 30 مليار دولار. أما المملكة العربية السعودية، فأطلقت أخيراً مشروع (HUMAIN)، بهدف إنشاء جيل جديد من البنى التحتية السحابية، وربما تطوير أقوى نظام ذكاء اصطناعي باللغة العربية. أما في نيوم شمال غرب المملكة، فتم توقيع صفقة بـ5 مليارات دولار لبناء مصنع ذكاء اصطناعي، بطاقة هائلة تكفي لتشغيل مدينة أوروبية».

الكويت والخليج

وأضاف المطيري: «هذه المشروعات تشترك في عنصر حاسم وهو اعتمادها على مصدر طاقة نظيف ومستقر، فالإمارات تحصل على ربع حاجتها من الكهرباء من أربعة مفاعلات نووية ضخمة في محطة براكة. والمملكة العربية السعودية تملأ الآن وقود مفاعل بحثي منخفض القدرة في الرياض، وتدرس عروض بناء محطة نووية تجارية في القريب العاجل. في المقابل، تعتمد الكويت تقريباً كلياً على توربينات الغاز، ومع اقتراب ذروة الطلب الصيفي من القدرة القصوى للشبكة، قد تؤدي أي عثرة تقنية إلى انقطاعات متتالية».

وبين أنه «لمواجهة ذلك ومواكبة الطلب المتزايد على الطاقة، تخطط شركات التقنية لبناء مراكز بيانات ضخمة تستهلك ما بين 300 و600 ميغاواط في الموقع الواحد. ويؤكد أحد المصرفيين العاملين في هذا المجال أن هذه الأرقام أصبحت الحد الأدنى المطلوب، وأن المستثمرين لن يأتوا إلى بلد لا يمكنه توفير هذه الطاقة بشكل نظيف ومستمر على مدار الساعة».

عقبة تنظيمية

ولفت إلى أن «التحدي الأكبر لإنشاء المفاعل في الكويت لا يتعلق بالتقنيات أو الإمكانات، بل بالتنظيم والإدارة. فحتى الآن، لا توجد هيئة رقابة نووية مستقلة تشرف على الطاقة النووية. إذ تقع مسؤولية الرقابة على المواد المشعة حالياً تحت مظلة وزارة الصحة، وهو نظام ملائم للمستشفيات، لا لتشغيل المفاعلات لتوليد الكهرباء».

وأضاف: «يؤكد بعض المسؤولين أن الحكومة تدرس الخيارات، لكن الوقت يداهمنا. فالموازنات تُقر في شهر أبريل، وشركة مايكروسوفت تتطلع إلى بدء الإنشاء في العام المقبل، ما يفرض علينا التحرك بسرعة إن أردنا أن نكون جزءاً من هذا التحوّل».

ثقة الجمهور

شدد المطيري على «ضرورة كسب ثقة الجمهور في هذا المجال، حيث عقدت هيئة الإمارات أكثر من 350  فعالية توعوية قبل تحميل الوقود النووي في براكة، وتتبنّى المملكة العربية السعودية منهجاً مشابهاً. وستحتاج الكويت إلى حملة تواصل تقنع المواطنين بأمان المفاعلات وجدواها الاقتصادية».

استثمار

قال الدكتور بدر المطيري إن «دول الخليج تشهد سباقاً محموماً لبناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، وتحولت بعض مناطقها إلى ورش عمل مفتوحة. ويحذر أحد الخبراء الماليين بأنه عندما توقّع شركات الحوسبة السحابية عقود طاقة طويلة الأجل –قد تصل إلى 20 عاماً– فإنها تلتزم بشكل لا رجعة فيه، وتُبنى الخطط من حولها لعقود مقبلة».

خسارة الفرصة

حذر المطيري من الوقوف خارج مضمار الذكاء الاصطناعي، وقال: «إذا لم توحّد الكويت رؤيتها في مجالي الطاقة والمياه ضمن إستراتيجية متكاملة، فقد تخسر فرصة الدخول في سباق الذكاء الاصطناعي، وستجد أن مراكز البيانات الكبرى –والتي ستكون من أكثر القطاعات ربحية في الخليج– ستُقام من حولها، لا بداخلها».

طاقة صامتة

أشار المطيري إلى أن «الرئيس التنفيذي لشركة هيتاتشي إنرجي أندرياس شيرنبك حذّر أيضاً من أن الذكاء الاصطناعي هو أزمة طاقة صامتة، حيث إن تشغيل واحد قد يرفع الاستهلاك 10 أضعاف خلال ثوانٍ»، فيما تقدّر وكالة الطاقة الدولية أن «استهلاك مراكز البيانات العالمي سيتجاوز  945  تيراواط لكل ساعة بحلول عام 2030، وهو ما يفوق استهلاك اليابان بأكملها حالياً. ومعظم هذا النمو سيأتي من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تلتهم الكهرباء والمياه لتبريد مئات آلاف الرقائق المتخصصة».

3 خطوات أساسية

قال المطيري: «بوصفي مختصاً في مجال الطاقة النووية، أرى أن أمام الكويت ثلاث خطوات أساسية يجب البدء بها فوراً:

1 - إجراء دراسة جدوى شاملة لمفاعلات SMR، مع قائمة تشمل تصميماً يجمع بين إنتاج الكهرباء وتحلية المياه في آنٍ واحد.

2 - تأسيس هيئة رقابة نووية مستقلة، تستند في عملها إلى النموذج المعتمد لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

3 - تقديم عقد موحد لتوفير الكهرباء والمياه، يجذب شركات الحوسبة السحابية العالمية وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية على غرار نموذج محطة براكة في الإمارات».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي