هل شعرت يوماً أن وعيك أصبح عبئاً؟
أنك ترى كل شيء بوضوح مؤلم، وتفهم ما لا يُقال... وتتمنى لو أنك لا تفعل؟ مرحباً بك في عالم الذين دفعوا الثمن باكراً.
كثرة القراءة، كثرة التفكير، وكثرة التحليل... كلها تحمل في طياتها ضريبة باهظة.
فما إن تبدأ رحلتك في دروب الوعي، حتى تجد نفسك تتحول تدريجياً إلى شخص مختلف، فريد، متفرد عن أي قطيع ساذج أو نمطية مجتمعية بالية.
المرحلة الأولى: بداية التحوّل
تُصبح كمن يمشي وسط الزحام وهو يضيء. تمتلك بريقاً خاصاً لا يُشبه أحداً، يلفت الأنظار إليك رغماً عنك، حتى تعجز عن إخفائه.
تُدهش العقول، وتخطف القلوب، فقط باختلافك.
تتحدث بفصاحة، تُفكر بمنطق، وتحلل بعمق. تمتزج فيك الفلسفة بالحياة، والبلاغة بالتجربة، حتى تُصبح كل كلمة تقولها انعكاساً لمجموعة أفكارك، وقراءاتك، ومواقفك... من أصغرها إلى أكبرها.
المرحلة الثانية: الصدمة والانعزال
ولكن وهنا الضريبة
هذا الوعي مؤلم، ومختلفك قد يُتعبك.
دعني لا أجمّل الحقيقة:
حين تكتشف أن أمثالك قلائل، يصبح الاندماج مع «الكل» مهمة شبه مستحيلة.
ترى عالمك مغايراً تماماً لعالمهم.
تكسب العدوات دون أن تقترف ذنباً، فقط لأنك مختلف!
يُحسدونك، يُسيئون الظن بك، يُسارعون إلى غِيبتك... دون أن يعرفوا شيئاً عما تقاسيه داخلك.
المرحلة الثالثة: الصراع مع المجتمع
الوعي!
هو شقاء ونجاة في آنٍ واحد.
فبقدر ما تُصبح شخصاً مثيراً للإعجاب، بقدر ما تبدو في أعينهم غريباً، معقداً، غير مُريح.
هكذا يفعل الإفراط في الوعي، خاصةً إن كان في عمر مبكر.
تكتشف أن اهتماماتك لا تُشبه اهتمامات أقرانك، بل إنها خارج نطاقهم كلياً.
صوتك يرتفع حين يصمتون، لأنك ترفض المجاملة، وترفض الزيف.
الحق طريقك، والمسايرة نقيضك.
ولذلك، يخافونك.
يرغبون في إسكاتك، في تقليم أفكارك، في جرك قسراً نحو قطيعهم.
لكن تمردك، حتى دون أن تتكلم، يكون كافياً ليُشعرهم بالتهديد.
المرحلة الرابعة: الصراع مع الذات
دعني أضيف لك المزيد:
ستُصبح فطناً بشكلٍ مُرهق.
تقرأ ما بين السطور، وتغرق في تحليل النظرات والكلمات والمواقف.
تُفكر كثيراً، في الرأي، وفي نية القائل، وفي ما وراء الكلمات.
وما يراه الناس عادياً وممتعاً، ستراه باهتاً ومملاً حتى الموت.
يستحيل عليك العيش بسطحية أو الاكتفاء بالقليل.
هذه الضريبة المعلونة، رغم ثقلها، تمنح حياتك طعماً لا يُنسى.
وعندما تُدرك، بكل شجاعة، أنك لا تُشبه إلا نفسك، تتحرر.
تتحرر من الأغلال الفكرية، من المشاعر المُعلبة، من تراث لا يُشبهك، من قصص لم تكتبها.
تكتب قصتك بنفسك.
تعيد تشكيلها كل مرة.
تُحب نفسك مرة، وتخاصمها مرة.
تعيش التناقض، بكل فخر.
تفكيرك الغزير يجعل الحب والارتباط مهمة شاقة.
تُريد أن يُرضي قلبك، ويُقنع عقلك.
ولا تقبل بواحد دون الآخر.
فتعيش في سجال أبدي بين القلب والعقل... سجال لا ينتهي بسلام.
النهاية: السلام مع الضريبة
وفي لحظات شرودك،
جسدك حاضر، لكن روحك تسبح في الأفق البعيد.
تفكر في أصل الوجود، في حقيقته، في مآلاته.
وحين تعود... تكون قد سافرت دون أن تتحرك.
تُوصَف بالجنون، وبالروعة في آنٍ واحد.
وتُحب ذلك التناقض، سواء في نظرة الآخرين إليك، أو في صورتك عن نفسك.
وفي نهاية المطاف،
ستدفع ضريبتك الغالية...
وأنت راضٍ، بطريقةٍ ما!