رؤية ورأي

سامي النصف وإشكالية الحدود الشمالية

تصغير
تكبير

الرأي الموضوعي الذي طرحه قبل أيّام وزير الإعلام الكويتي الأسبق سامي النّصف، في لقاء حواري عبر قناة فضائية عراقية، حول مطالبات العراق ضم الكويت، يستحق الإشادة والنشر، حتى يطّلع عليه الكويتيون والعراقيّون وسائر شعوب العالم.

طرح متّزن كشف أن هذه المطالبات الثلاث كانت عرضية وطارئة في دوافعها، وموقّتة ومحدودة في بُعدها الزمني. طرح قَيّم بمبانيه المُوثّقة وبالمكانة الأكاديمية لمحاوره في البرنامج، الدكتور حميد عبدالله، الباحث التاريخي العراقي المعروف.

من بين ما استشهد به الأستاذ النّصف، في طرحه، هو عدم عثوره على بصمات لهذه المطالبات في القصائد والأشعار العراقية القديمة، لا في الفصحى ولا في الشعبية ولا في «البوذيات» (وهي جمع «البوذية» التي يُقْصَد بها الشعر العامي الذي يُنَظّمه المُتَوَجِّع «أبو أذية»). كما استشهد بعدم ورود هذه المطالبات في محاضر البرلمانات العراقية ولا في محاضر مجالس الوزراء العراقية، إبّان العهد الملكي وبدايات العهد الجمهوري، علماً بأنها منشورة عبر كتاب الراحل عبدالرزاق الحسني، المعنون «تاريخ الوزارات العراقية».

بالنسبة للمطالبة الأولى، التي كانت في عهد الملك غازي، لم تنبثق هذه المطالبة من ادعاء تاريخي بتبعية الكويت للعراق، بل كانت ضمن مشروع قومي لتوحيد 6 دول عربية بزعامة العراق، وهي العراق والكويت وسورية ولبنان والأردن وفلسطين، في مواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين.

بالرغم من التأييد الواسع للمشروع الوحدوي بين الشعوب العربية، إلا أنّ الحكومات العربية رفضت تبنّيه. حتى الحكومة العراقية لم تتبنَّ المشروع، رغم تبنّيه من قبل الملك غازي، شخصيّاً عبر إذاعة «قصر الزهور». فآنذاك، نظام الحكم في العراق كان ملكيّاً دستورياً بصلاحيّات أوسع لرئيس الوزراء.

وبالنسبة للمطالبة الثانية، في عهد رئيس الجمهورية عبدالكريم قاسم، كانت لها دوافع داخلية وخارجية. فعلى الصعيد المحلّي، يرى النّصف، أن الرئيس كان يُعاني من إشكالات محلّية ضخمة مع كل من التيار القومي والشيوعيون والمرجعية الدينية، فلجأ إلى خلق مشكلة خارجية مع الكويت لإشغال الداخل العراقي. وعلى الصعيد الخارجي، أكّد النّصف أنه تحقّق من أن المطالبة الثانية كانت بإيعاز من الاتحاد السوفياتي، التي استخدمت مرتين حق النقض «الفيتو» ضد قبول الكويت عضواً في الأمم المتحدة (1961 – 1963)، وأن المطالبة التي كانت تحت شعار توحيد العرب، كان غرضها الأساس هو إضعاف ونخر شعبية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي كان في حينه يهاجم باستمرار الأحزاب الشيوعية.

وأمّا المطالبة الثالثة، في عهد صدّام حسين، يرى النّصف، أن صدّام، كان يُعاني من أزمة شخصية، حيث كانت لديه رغبة جامحة بالتعدّي وتوسيع نفوذه، ولم يمانع اللجوء إلى خيارات دموية، ولا الغدر والانقلاب على القريب والغريب، بدرجة أنه قضى على أزواج بناته، وأعدم مجموعة من رفاقه بحزب البعث في حادثة قاعة الخلد المشهورة، بعد أن لفّق ضدّهم اتهامات بالخيانة.

اختتم الاستاذ سامي النّصف، الحلقة الأولى من حواره مع الدكتور حميد عبدالله، بالتذكير بالتكامل التجاري الذي كان قائماً بين الكويت وبين العراق وسائر أقاليم «الهلال الخصيب». حين كانت السفن الكويتية تنقل الغلّات الزراعية من «الهلال الخصيب» إلى العديد من الموانئ في الخليج وخارجه، ثم تعود هذه السفن محمّلة بالأخشاب والتوابل وغيرها من البضائع إلى العراق.

وأنا بدوري أختتم المقال بدعوة الشقيقتين الكويت والعراق إلى تجديد وتحديث هذا التكامل التجاري الجغرافي التاريخي. فمشروع ميناء مبارك الكبير سوف يتضاعف نشاطه بمشاركة العراق فيه، كسوق وممر تجاري كبير السعة ومنخفض التكلفة. والاقتصاد العراقي سوف ينتعش كثيراً بالاستفادة من إمكانات وخدمات ميناء بحري كبير السعة ومنخفض التكلفة كميناء مبارك الكبير... «اللهم أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه».

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي