من الخميس إلى الخميس

... ولتبدأ المباراة!

تصغير
تكبير

يُقال إن الإنسان كائن اجتماعي، لكن الواقع يشير إلى أنه كائن «فريقي» أكثر من كونه اجتماعياً، فمنذ أن يولد المرء، يبدأ المجتمع في «برمجته» ليشجع فريقاً من اثنين، سواء في السياسة أو في الرياضة.

في الرياضة الكويتية، كرة القدم مُحتكرة جماهيرياً بين القادسية والعربي، وفي السعودية الهلال والنصر، وفي مصر الأهلي والزمالك، هكذا هي البرمجة الدماغية لا تقبل أكثر من اثنين؛ والباقي هوامش حتى ولو كانوا أفضل من الاثنين.

في السياسة، الأمر يبدو أرقى شكلياً ولكنه بالآلية نفسها، يُقال للطفل: «نحن عائلة تدعم هذا الحزب»، و«الطرف الآخر لا يفهم شيئاً»؛ هكذا يُزرع الانتماء دون تساؤل، ويفتخر الأهل عندما يسمعون الطفل يهتف بالشعارات أو يُدافع عن قرارات سياسية لا يعرف معناها.

في الرياضة لديك «صورة» تحلم بها وإعجاب باللاعبين، في السياسة لديك «صورة» وطنية وقيادات مثالية، كلاهما يتّبع الإستراتيجية نفسها، إثارة الحماس، تقسيم الجمهور، وإقناعك بأن الفريق الآخر هو الشيطان بعينه. وإذا خسرت المباراة؟ هناك دائماً «الحكم غير العادل». وإذا فاز الطرف الآخر في الانتخابات؟ هناك دائماً «تزوير الصناديق وشراء الأصوات».

اليوم لدينا برمجة دماغية أكبر، فمع تقارب العالم أصبحت دول كاملة ضمن تلك البرمجة وأصبحت شعوبها ضمن هذه البرمجة، من يحكم العالم؟ أميركا أم الصين؟ ألم تكن سابقاً أميركا أم روسيا! البرمجة الدماغية لا تسير إلا بلغة الكمبيوتر، صفر أو واحد، بالأمس روسيا اليوم الصين.

في عالمنا العربي نملك العقلية نفسها ولكن كعادتنا بصورة أقوى، من يقود العرب؟ (... أم ...؟)؛ وتبدأ المباراة كما نراها اليوم على منصات التواصل الفريقي، عفواً الاجتماعي، الجمهور المسكين هو الضحية في هذه اللعبة، يجد نفسه غارقاً في نقاشات وجدل لا ينتهي بل وقد يتطور النقاش والجدل إلى صراعات وخلافات غير محمودة بتاتاً، وبينما يتشاجر المشجّعون في المقاهي وعلى وسائل التواصل، يجلس السياسيون ورؤساء الأندية الرياضية على موائد فاخرة يتبادلون الضحكات، ففي الرياضة، يتم بيع التذاكر والقمصان وحقوق البث بالملايين؛ وفي السياسة، يتم تمرير القرارات وتعزيز النفوذ وزيادة الأرصدة البنكية.

أما الجمهور؛ فيكتفي بالصراخ وشدّ الأعصاب وحرقة الدم.

ربما حان الوقت لنعود إلى رشدنا، وندرك أن العالم ليس أبيض أو أسود، كما أنه لا يُشترط أن يقود العالم فريقان، ولا يصحّ أن نبحث دائماً على من هو الأول ومن هو الثاني، فلن تجد وطناً هو الأول في كل شيء ولن يضرّك إن كان هناك من هو أفضل منك في شيء ما، بل هذا هو الطبيعي، إنّ الانتماء المفرط لفريق أو بلد هو نوع من الاستعباد الفكري، استعباد نجحت البرمجة الدماغية بفرضه على شعوب أمتنا اليوم.

الهدف الحقيقي الذي يقوي أمتنا العربية جميعاً ليس التفاخر والتعالي، بل هو التكامل والتعاون، إننا نبحث عن أمة أكثر وعياً وأقل انقساماً، لكن مهلاً، هل لديك الشجاعة لتكون «العاقل» في بحر الجنون؟! البحر الذي يصب الماء فيه قنوات الإعلام وكثير من مدّعي الفكر والثقافة، في النهاية، أغلبنا يمشي في الطريق الذي رُسم له، معظمنا يحب التصفيق والهتاف أكثر من التفكير الهادئ.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي