ماضي عبدالله الخميس... شكراً
حين يصبح الإعلام أكثر من مجرد وسيلة، ويتحول إلى مرآة تعكس قلق العصر وطموح الإنسان، تتجلى أهمية الملتقيات الكبرى، لا بوصفها تظاهرات شكلية، بل كمنابر عميقة تُعيد مساءلة الذات المهنية، وتضع الإعلام في مواجهة ذاته. من هنا يأتي الملتقى الإعلامي العربي في دورته العشرين، الذي انطلق قبل أيام في الكويت، كاحتفال مهم بمرور عقدين على التأسيس، وتمرين على مقاومة السطحية واستعادة جوهر الرسالة الإعلامية.
بشعار «تحديات الإعلام في ظل تطور التكنولوجيا والتحول الرقمي»، يدخل الملتقى حواراً مع الزمن نفسه، في عصر باتت فيه الخوارزميات تفكر أسرع من الإنسان، وتختار الأخبار أسرع من المحرر، يواجه الإعلامي المعاصر سؤالاً وجودياً: ما الدور الذي يمكن أن يؤديه في زمن الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي؟ هل ما زال له موقع بين هذا السيل الجارف من البيانات؟
ليس من قبيل المصادفة أن تحتضن الكويت هذا الملتقى لعشرين عاماً متتالية. فالكويت، بما تمثله من عمق ثقافي وتجربة ديمقراطية فريدة في الخليج، تؤكد من خلال هذا الحدث السنوي أنها منصة فكرية تسهم في تشكيل الوعي العربي، إضافة إلى الحضور الواسع من إعلاميين، ومفكرين، وصنّاع قرار من مختلف الأقطار، يعكس حالة من التعطش للحوار الحقيقي وسط ضجيج منصات التواصل وتضخم الأصوات العابرة، وبين الكلمات والجلسات والندوات، تُصاغ خريطة جديدة للدور الإعلامي، تتجاوز التقريرية، وتسعى نحو الإبداع النقدي.
وفي قلب هذا المشهد يقف الإعلامي ماضي عبدالله الخميس، لا بوصفه مجرد أمين عام للملتقى، بل كرمز للاستمرارية، والمثابرة، والتجرد من الحسابات الضيقة، حيث حمل الرجل هذا المشروع لعقدين، وبالرغم من العواصف والضغوط والإساءات، لم يرد الصاع بالصاع، ولم يختر أن يتحصن بصمته، بل اختار أن يُكمل، أن يُصِرّ، أن يُقدّم الأفضل عاماً بعد عام.
علينا أن نعي بأن الملتقى الإعلامي العربي في الكويت نراه كمختبر فكري يعيد للإعلام دوره التنويري، على ألا يكون التحول الرقمي مقصلة للمعايير، بل فرصة لإعادة إنتاج القيم الإعلامية في قوالب جديدة، أكثر ذكاءً، لكن لا أقل إنسانية، وهنا، تكون الكويت بشخصها، ومؤسساتها، ورجالها في طليعة من يذكّروننا أن الإعلام ليس فقط ما يُقال، بل كيف يُقال، ولماذا يُقال.
نهاية المطاف: الدول تُعرف بأعلامها، ويخلَّد مجدها بحرفييها، فهم من يغزلون هوية الوطن بخيوط الإبداع.
