3 قرون من الأمجاد المزدهرة للمملكة بموروث حضاري عريق

«يوم التأسيس»... إعجاز سياسي في صناعة تاريخ الوحدة السعودية

تصغير
تكبير

- تذكير بوحدة الأمن والعدل وتعبير عن رمزية تاريخية لقصة الدرعية
- الدرعية تحوّلت إلى مركز سياسي علمي وحضاري وملهم للعلماء والمفكرين

التاريخ السعودي حافل بالمحطات الوطنية، ومن بينها ذكرى التأسيس التي تحل في 22 فبراير من كل عام، وهي مناسبة مليئة بالنضال السياسي الطويل في المملكة العربية السعودية، حتى أنها شكلت رحلة خالدة في بناء المملكة، من خلال ملامح بداية الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود.

لم تكن رحلة البناء التي قام بها الإمام محمد بن سعود، في الدولة السعودية الأولى محطة عابرة، بل كانت ضاربة في جذور التاريخ السعودي، نتيجة للأحداث التي خاضها واستطاع بحكمته وسياسته وحنكته تخطي جميع التحديات، والقضاء على التحديات الجسام القائمة فيها، وقاد إمارته والبلدات المحيطة به إلى هيمنة الأمن الذي لم يكن متوافراً سابقاً نتيجة ضعف وانقسام داخلي، وظروف سياسية صعبة خاصة أن بلاد نجد كانت تعيش غموض المرحلة ما قبل قيام الحكم السعودي.

الدرعية

وشكلت الدرعية في عصر الدولة السعودية الأولى مركزاً حضارياً للعلم والثقافة والتجارة، باعتبارها العاصمة السياسية للدولة السعودية الأولى ومنارة الحكم. ويعود تاريخ بناء الدرعية للعام 850 هجرية، حيث قامت وتأسست على ضفتي وادي حنيفة في عهد الأمير مانع بن ربيعة المريدي، الذي جعل من حي «غصيبة» - وهو النواة - الحي الرئيس في المدينة، وجعل «فيضة المليبيد» الاختيار الأنسب لتكون مقراً للمزارع الخاصة بالدرعية، بسبب توافد السيول من خلال وادي صفار – أحد روافد الأودية بالدرعية – الذي كان سبباً في نقل التربة الخصبة والمياه للفيضة.

وتطورت الدرعية بعد ذلك شيئاً فشيئاً، ونشأت أحياء جديدة، (الطرفية، سمحان، السهل، المريّح، القصيرين، البجيري، الظويهرة، السريحة)، وأحياء أخرى كثيرة. وفي عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد، عمل على نقل الدولة من الجانب الشرقي لوادي حنيفة إلى الجانب الغربي منه، ونشأ حي الطريف، الذي تميز بموقعه الإستراتيجي، لذلك نقل إليه مقر الحكم والإدارة وبنى فيه قصر سلوى والجامع الكبير، وبعد ذلك شيدت القصور وبيوت الأمراء.

أمر ملكي

وصدر الأمر الملكي لخادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يوماً «للتأسيس»، وهو اليوم الذي يرمز إلى العمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1727 ميلادي.

واستناداً على ذلك يعود تاريخ المملكة إلى ( 3) قرون من الأمجاد المزدهرة بموروث حضاري عريق، وبجذور راسخة امتداداً لهذا التاريخ الضارب بجذوره في أعماق المجد؛ تأتي مناسبة الاحتفال بيوم التأسيس ليستذكر فيها أبناء المملكة العربية السعودية تاريخهم العريق، ومدى رسوخ وثبات مؤسسة الحكم، منذ تأسيس الدولة السعودية التي قامت على مبادئ الإسلام الصحيحة، والحكم الرشيد، والتنمية المستمرة للبلاد، وتعزيز مكانتها محلياً وإقليمياً وعالمياً، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

راشد بن عساكر: إرث الإمام محمد بن سعود دولة ترفرف راياتها على البلدان

راشد بن عساكر

قال الباحث والمؤرخ راشد بن محمد بن عساكر، إن «المؤرخين النجديين أوردوا حدثاً بارزاً في عام 850 هجرية، الموافق لـ 1446 ميلادية، تمثل ذلك في قدوم جد الأسرة السعودية الأعلى مانع المريدي الدرعي الحنفي الوائلي، من بلاد الأحساء وعودته الى موطن أسلافه في نجد واستقرارة على إحدى البلدات الواقعة على جنبات وادي حنيفة والمسماة المليبيد وغصيبة، وهما أبرز حيين قامت على أنقاضها بلدة الدرعية».

وأضاف بن عساكر لـ«الراي» أنه «تعاقب على إمارة الدرعية منذ تأسيسها حتى قبيل قيام الدولة السعودية الأولى 17 أميراً، أولهم مانع المريدي ثم ابنه ربيعة ثم موسي بن ربيعة ثم أبناؤهم وأحفادهم، وبرز الأمير إبراهيم بن موسى بن ربيعه بن مانع، أحد أشهر أمراء العارض في وقته، وأوردته بعض الوثائق بأنه كان يحمي القوافل العابرة للمنطقة عبر الدرعية عام 981هـ /1573م، حيث عد من أشهر وأبرز الأمراء خلال تلك الحقبة التاريخية».

وأشار إلى أن «الأمير محمد بن سعود (الإمام في ما بعد) تولى حكم الدرعية وصفت له الولاية منذ عام 1139هـ1727م، وشهدت الدرعية في عهد الإمام محمد بن سعود حكماً مستقراً». وأفاد بأن «المستشرق شيخوا ينقل وصفاً للإمام محمد بن سعود بأنه رجل ذو عزم وإقدام، حريص على السيادة راغب في توسيع نطاق امارته، فسار سيراً حسناً في قومه، وأخذ يجند الجنود ويمرنهم على مقاساة الجوع والعطش».

وتابع «توفي الإمام محمد بن سعود في آخر ربيع الأول من عام 1179هـ /1765م، وخلف عدداً من الأبناء منهم اثنان استشهدا في حياته، وهما فيصل وسعود، والاثنان الآخران هما الإمام عبدالعزيز وأخوه الأمير عبدالله، وقد ترك الإمام محمد بن سعود لأولاده إرثاً تجاوز كثيراً إرث آبائه، فترك لهم دولة ترفرف راياتها على أكثر من بلد من بلدان نجد وينشر دعاتها وأنصارها في مختلف المدن والقرى والبوادي النجدية».

زهير الشهري: تاريخ الوحدة السعودية يمثل إعجازاً سياسياً

زهير الشهري

أكد مدير مركز بحوث التأسيس والتاريخ الوطني بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، زهير بن عبدالله الشهري، أن«المتتبع لحركة ومسارات تاريخ الدولة السعوديَّة منذ تأسيسها 1139هـ/1727م، قبل ما يقارب 300 عام، يجد أن حركة هذا التاريخ أوجدت إنجازاً، يمثل وبكل ثقة إعجازاً سياسياً من خلال صناعة تاريخ الوحدة الوطنية السعودية، الذي يتمثل في الفكرة والقدرة على تحويل التشرذم والتشظي والولاءات والانتماءات المتجذرة من قوى وقبائل متعددة منذ أكثر من ألف عام».

وأضاف الشهري أنه «تعاقبت عشرات الأجيال على هذه الحالة ومشروع دمجها. وتحويلها إلى مشروع دولة، يعد من الإنجازات التاريخية الاستثنائية، ومشروع الدولة السعودية منذ التأسيس ارتبط في جذوره وأسسه ومساراته بإجراءات وخطوات عمليَّة وذات فاعلية تاريخية منجزة سياسياً وعسكرياً وثقافياً وإدارياً، وكانت مؤسسة ومرتبطة بأهداف ذات قيم مثلت طاقة فكرية ومعنوية دافعة لتمكين واستدامة التوحيد والبناء وقد ارتبطت هذه القيم في عمومها بخدمة الدين والمقدسات وتحقيق الوحدة الوطنية والأمن والعدل والتنمية».

فهد الدامغ: محمد بن سعود حوّل الدرعية من دولة المدينة إلى الدولة الوطنية الشاملة

فهد الدامغ

أشار أستاذ الدراسات العليا بقسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فهد بن عبدالعزيز الدامغ، إلى أن «يوم التأسيس استذكار لحدث يمثل منعطفاً تاريخياً ولحظة مفصلية في تاريخ الجزيرة العربية، حين هيأ الله لبلادنا قائداً من أبنائها هو الإمام المؤسس محمد بن سعود، بما حباه الله من بعد النظر ووضوح الرؤية، وسمو القصد، ومضاء العزيمة، وقوة الإرادة، ما أهله، بعد توفيق الله، ليخرج البلاد من حالة الفرقة والانقسام والتناحر، واضطراب الأمن والتخلف، التي كانت تعيشها المنطقة عبر مئات السنين، إلى انطلاق مسيرة الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي بتأسيس الدولة السعودية الأولى في منتصف عام 1139هـ الموافق 22 فبراير سنة 1727م، قبل نحو 300 عام».

وأضاف الدامغ، أنه «منذ ذلك اليوم المشهود وبلادنا في تقدم وتطور وتنمية وأمن واستقرار ووحدة وتلاحم، ولهذا فهو يوم يستحق الاحتفاء والاحتفال والاعتزاز والفخر، وتذكر شخصية الإمام المؤسس محمد بن سعود، والإشادة بإنجازه وتذكير الأجيال الناشئة به، باعتباره من الشخصيات الرائدة في مسيرة التاريخ».

وتابع«عندما يذكر التأسيس تقترن عبقرية الإنسان القائد، ممثلة في الإمام المؤسس محمد بن سعود، بعبقرية المكان الذي كان نواة التأسيس ومهده ومنطلقة، تلكم هي مدينة الدرعية التي تعد رمزاً بارزاً في تاريخنا الوطني ولها مكانة في وجدان كل سعودي، والدرعية مدينة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وتحولت من دولة المدينة إلى الدولة الوطنية الشاملة».

هالة المطيري: التأسيس اعتزاز بالجذور التاريخية القوية للدولة السعودية

قالت الأمين العام للجمعية التاريخية السعودية هالة ذياب المطيري، إن «عهد الدولة السعودية الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود، في منتصف عام (1139هـ الموافق 22 فبراير 1727م) في الدرعية واستمر أربعين سنة شهد عدداً من الإنجازات».

وأشارت المطيري، إلى أن «الاحتفاء بيوم التأسيس يُعبِّر عن اعتزاز وفخر بالجذور التاريخية القوية للدولة السعودية الشامخة، ويُظهِر قوة الارتباط الوثيق بين مواطنيها

وقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون».

وذكرت أن «الدولة السعودية الأولى استمرت إلى عام (1233هـ 1818م)، وعاصمتها الدرعية، وجعلت القرآن الكريم وسنة رسوله دستوراً لها، وقد أرست الوحدة والأمن في الجزيرة العربية بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار، وصَمدت أمام محاولات القضاء عليها، سواء من الداخل أم من الخارج».

المشرافي: الدولة السعودية بمراحلها الثلاث ارتبطت بشكل وثيق بقضية الأمن والاستقرار

فارس المشرافي

أكد أستاذ التاريخ الحديث المساعد قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، فارس بن متعب المشرافي، أن «ذكرى يوم التأسيس التي نحييها، هي في حقيقتها تعبر عن رمزية تاريخية لقصة الدرعية، تلك القرية الصغيرة التي كانت تعاني مثل بقية المناطق المجاورة لها من فوضى وفراغ سياسي وانعدام أمن، وتعدد الانتماءات والتشرذم الاجتماعي وتعطل الاقتصاد هذه حقيقة تاريخية وضحتها مصادر تاريخية نجدية»، موضحاً أن «الدولة السعودية بمراحلها الثلاث ارتبطت بشكل وثيق بقضية الأمن والاستقرار».

وأفاد المشرافي، بأن «الدرعية تحولت من قرية صغيرة بعد 1727، إلى مركز سياسي ومن ثم إلى علمي وحضاري، وغدت مركزاً ملهماً للعلماء والمفكرين والقادة (من قبائل ومناطق متعددة). بعدما تمكن الإمام محمد بن سعود من تولي إمارة الدرعية ومن ثم بدأ أولاً بتوحيد احيائها تحت حكم مركزي واحد، وبعد ذلك قدر الله لهذه القرية الصغيرة ان تنطلق منها رايات التوحيد لتوحد أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية. فيوم التأسيس يشكل لنا رمزية تاريخية تلهمنا ان نبدأ بالقليل لنحقق الكثير».

وقال إن «البناء مستمر، لأن كل فترة زمنية تحتاج إلى تطوير وإعادة بناء، وهذه ما تقوم به رؤية 2030 بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وعراب الرؤية سمو ولي العهد أميرنا محمد بن سلمان، فكل من يشارك ويساهم في تحقيق تطلعات وآمال الرؤية، هو بمثابة أجداده الأوائل في تأسيس الدولة».

سامية الجابري: نشأة الدولة شهدت تحوّلات كبرى

أشارت أستاذة التاريخ الحديث المشارك بجامعة حائل، سامية سليمان الجابري، إلى أن «الاستعراض التاريخي يُظهر أن بلاد نجد وشبه الجزيرة العربية بشكل عام، كانت قبل قيام الدولة السعودية الأولى تعاني من الصراعات والخلافات، وما يرافق ذلك من ضعف وتمزق، وغياب الأمن، لعدم وجود كيان سياسي قادر على تشكيل وحدة سياسية وإدارية مستقرة ينتج عنها استتباب الوضع الاجتماعي وبناء نظام اقتصادي متكامل وفق قوانين وأسس محددة».

وأضافت الجابري «لم تكن عمليات البيع والشراء وجميع التعاملات المالية في الحياة تنجز وفق أنظمة مصرفية معتمدة وسائدة في المنطقة كلِّها، بل كانت تنجز استناداً إلى التقاليد والقوانين المتعارف عليها في كل منطقة، وهذا يعني أن العرف الاجتماعي هو الحاكم وتشريعه هو المتبع والمرجع عند الخلاف».

ولفتت إلى أن «هذا الوضع لم يستمر، فمجرد ظُهور الدولة السعودية الأُولى على يدِ الإمام محمد بن سعود (1727-1818م) حدثت تحوّلات كبرى شملت كل الأصعدة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأصبح هذا الكيان السياسي الجديد قادراً على تكوين نظام اقتصادي متوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وله تأثير على المجتمع المحلي، وعمل على تنظيم كل الشؤون المالية، وأصبح له موارد دخل متنوعة وأوجه صرف معلومة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي