«الهويات المتعددة وعلاقاتها بالهوية الوطنية من القضايا المثيرة للجدل والنقاش؛ لما لهذه العلاقة من أثر في الاستقرار والوئام الوطني بين مكونات المجتمع».
الدكتور الخضر عبدالباقي محمد، مدير المركز النيجيري للبحوث العربية- نيجيريا
في مقالة له قبل سنتين تقريباً تكلم الأستاذ الدكتور الخضر عبدالباقي، عن أهمية الهوية الوطنية وأثرها في بناء دولة القانون والحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان والمواطنة الشاملة. كل هذه العناوين تأتي تحت الهوية الوطنية مقابل ما يشهده العالم حالياً من اختزال للهويات في انتماءات عرقية أو مذهبية، أو إثنية أو دينية؛ لذلك أصبحت هناك حاجة ملحة في العالم كله للانتقال لهوية جامعة وهي الهوية الوطنية، كما يمكن استنتاجه من الدراسة المذكورة.
نعم، من المفترض أن تكون الهوية الوطنية هوية جامعة، تجمع الأعراق، والمذاهب ضمن هوية وطنية جامعة لا تفرق، ولا ينجرف هذا الهدف النبيل بلا شك عن مسعاه كما في بعض الدول.
ألمانيا كانت حتى أواخر القرن التاسع عشر مفككة ومتفرقة، حتى جاء في الرايخ الثاني المستشار أتو فون بسمارك، ووحد ألمانيا في دولة قوية ونهض بالاقتصاد الألماني، وساد السلام أوروبا لعقدين من الزمن. حتى تمت تنحية الرجل على يد فلهايم الثاني، وانفتحت شهية ألمانيا العرقية والاستعمارية، وحذر بسمارك من حروب مقبلة، فكانت الحرب العالمية الأولى، تلتها حالة تطرف وطني، والذي حول نبل أهداف الهوية الوطنية الجامعة التي وحدت ألمانيا في عصر بسمارك، إلى أداة جلبت الدمار لأوروبا ودول كثيرة بالعالم، تحت شعار تفوق العرق الآري.
هناك تغريدة لطيفة للأستاذ الإعلامي والاقتصادي قيس إبراهيم الشطي، يقول فيها «الوطنية تعني الولاء للوطن في كيان جامع يوحِّد أبناءه عبر قيم العدالة والتضامن»، ويضيف «فالقوة الحقيقية تكمن في التعاون بين مكونات المجتمع».
نعم، الهوية -وخصوصاً الهوية الوطنية- يتم تعزيزها في البناء وفي الإنجاز والتطور في الدول، عندما تصبح البلاد مركزاً مالياً واستثمارياً مرموقاً إقليمياً وعالمياً، هنا تتعزز الهوية الوطنية، عندما يكون هناك اهتمام بالرياضة والاستفادة من الطاقات الشبابية الوطنية الموهوبة عبر الاهتمام بالأندية الرياضية وانتشالها من الشللية ومراقبتها ومتابعتها ودعمها؛ لحصد الميداليات في المناسبات الرياضية؛ الإقليمية والقارية والعالمية؛ ليتم رفع علم البلاد مرادفاً للانتصارات، هنا يتم تعزيز الهوية الوطنية.
عندما يتم تشجيع الصناعات الوطنية، ويتم تصدير أنواع من السلع خارج البلاد والاستفادة من الأيدي العاملة والعقول المبتكرة للإنتاج، هنا تزهو الروح الوطنية. عندما يكون هناك مطارات تشكل نقطة ارتكاز في مسارات الطائرات العالمية، مرتبطة بخطوط للسكك الحديدية والمترو، المرتبطة بالموانئ التجارية؛ لتحول البلاد إلى مركز بحري وجوي وبري يستفيد من موقعها الجغرافي المميز هنا تزدهر الروح والهوية الوطنية.
عندما تكون البلاد مركزاً ثقافياً ومركز إشعاع فكري في المطبوع والمرئي والمسموع، بجانب كونها مركزاً فنياً راقياً، وتكون متميزة بنظام تعليمي متطور ومؤسسات أكاديمية مرموقة هنا تزهو الهوية الوطنية في الداخل وفي القلوب وفي كل الصعد العالمية.
نعم، بالإنجازات وبالحب والتآلف الوطني تزهو وتزدهر الأوطان وتتلألأ هويتها الوطنية.