في ظل التحديات المالية المتزايدة التي تواجه الكويت، يبدو أن مسألة اللجوء إلى الدّين العام لتغطية العجز المالي باتت تفرض نفسها بقوة على الساحة الاقتصادية. وفقاً لمصادر أجنبية متخصصة، فإن الحكومة الكويتية تدرس إصدار قانون جديد يتيح لها الاقتراض عبر طرح سندات ديون حكومية، حيث من المتوقع أن تبدأ في استدانة ما يقارب 20 مليار دينار كويتي على مدى خمسين عاماً. وذلك في ظل استمرار العجوزات المالية المتراكمة منذ أكثر من تسع سنوات، والتي بلغت إجمالياً حوالي 44 مليار دينار، أي ما يعادل 5 مليارات دينار سنوياً.
ومع اعتماد الميزانية العامة للكويت بشكل رئيسي على عائدات النفط، فإن استمرار تذبذب أسعاره في الأسواق العالمية، أصبحت هذه العائدات غير كافية لتغطية المصروفات الحكومية المتزايدة. وتُقدّر حاجة الكويت إلى سعر برميل نفط يبلغ حوالي 90 دولاراً لتتمكن من تحقيق التوازن المالي وتغطية نفقاتها، إلا أن التوقعات تشير إلى أن سعر البرميل سيتراوح بين 70 و75 دولاراً فقط.
وفي ظل دعوات الإدارة الأميركية الحالية لمنظمة «أوبك» بخفض أسعار النفط، يبدو أن هناك ضغوطاً دولية قد تؤدي إلى استقرار الأسعار عند مستويات أقل من المطلوب لتحقيق الاستدامة المالية في الكويت. ومع ذلك، فإنّ أي انخفاض حاد في الأسعار لن يكون في مصلحة المنتجين الأميركيين، حيث إن تكلفة الإنتاج لديهم تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل، وهو الحد الأدنى الذي يسمح لهم بتغطية تكاليفهم وتحقيق أرباح للمستثمرين والمساهمين.
أما على مستوى منظمة «أوبك»، فإن معظم الدول الأعضاء بحاجة إلى أسعار أعلى بكثير لتحقيق الاستدامة المالية، حيث يحتاج كل من العراق وإيران إلى أكثر من 90 إلى 100 دولار للبرميل، في حين أن نيجيريا بحاجة إلى سعر يتجاوز 150 دولاراً.
أمام هذا الوضع المالي الحرج، هناك عدد من الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة الكويتية لسد العجز، إلا أن لكل خيار تكلفة اقتصادية.
الاستدانة والاقتراض من الأسواق المالية الدولية يعتبر هذا الخيار الأسهل والأسرع، لكنه الأكثر كلفة على المدى الطويل، حيث يؤدي إلى تراكم الدين العام وزيادة أعباء الفوائد المستحقة. وسبق أن لجأت الكويت إلى الاقتراض من قبل، حيث اقترضت حوالي 5 مليارات دينار فيما كان يُعرف بقرض «الجمبو» بعد تحرير البلاد، وتمكنت من سداده بالكامل.
تعد الكويت من الدول التي تقدم دعماً سخياً لعدد من الخدمات والسلع، بما في ذلك المشتقات البترولية، والكهرباء، والماء، حيث تعد الأسعار في الكويت من بين الأدنى خليجياً وعربياً.
يمكن أن يؤدي تخفيض الدعم تدريجياً إلى تقليل العبء على الميزانية العامة.
يمكن أيضاً تشجيع تقنين الاستهلاك عبر وضع آليات تحفيزية، مثل منح تعويضات نقدية للمواطنين الذين ينجحون في تقليل استهلاكهم السنوي من الكهرباء والماء، ما يساهم في تقليل الهدر وتعزيز كفاءة الاستخدام.
في حين أن معظم دول الخليج بدأت في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، فإن الكويت لا تزال مترددة في اتخاذ هذه الخطوة.
مع استمرار العجوزات المالية وارتفاع المصاريف السنوية، يصبح الحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ضمن الحدود الآمنة تحدياً حقيقياً. وعلى الرغم من أن الكويت تعتبر من بين الدول الأقل عالمياً في مستوى الدين العام مقارنة بالناتج المحلي، إلا أن أي توسع جديد في الاقتراض قد يؤدي إلى تغيّر هذا الوضع.
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمكن للكويت أن تتجنب الاقتراض عن طريق إصلاحات اقتصادية جذرية، أم أن قانون الدين العام أصبح أمراً لا مفرّ منه؟
الأيام المقبلة ستحمل الإجابة، لكن من الواضح أن الإصلاحات الاقتصادية أصبحت ضرورة حتمية لتأمين مستقبل مالي مستدام للكويت.