لوّح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بسيف الضرائب في وجه الاتحاد الأوروبي لزيادة وارداته من المنتجات الأميركية، من النفط والغاز، إذا لم يلتزم بذلك، فقد يواجه بضرائب تصل إلى 20 % على صادراته إلى الولايات المتحدة.
فأوروبا، التي تُعتبر واحدة من أكبر مستوردي النفط والغاز في العالم، تجد نفسها حالياً في موقف معقد للغاية. فهي تحاول تقليل اعتمادها على روسيا في مجال الطاقة، خصوصا الغاز الطبيعي، ضمن مساعيها للتقليل من التبعية لموسكو. ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى صعوبة تحقيق هذا الهدف في الوقت الراهن، نظراً لأن البنية التحتية الأوروبية مصممة لاستقبال الغاز الروسي عبر الأنابيب، ما يجعل أي تحول جذري يتطلب استثمارات ضخمة ووقتاً طويلاً.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، تواجه مشكلة نقص القدرات الإنتاجية لتلبية الطلب الأوروبي المتزايد. فالولايات المتحدة، رغم أنها من كبار منتجي الغاز، ليست لديها القدرة الفورية على توفير الكميات المطلوبة لتعويض الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
ويشير الواقع الحالي إلى أن روسيا لا تزال المصدر الأكبر رغم العقوبات الاقتصادية ومحاولات الاتحاد الأوروبي تقليل استيراد الغاز الروسي، فإن الإحصائيات تظهر واقعاً مختلفاً. ففي عام 2024، استوردت أوروبا نحو 17 مليون طن من الغاز الطبيعي من روسيا حتى منتصف الشهر الجاري، بزيادة قدرها مليون طن مقارنة بالعام الماضي. هذا الرقم يُعد الأعلى في تاريخ استيراد أوروبا من الغاز الروسي، وهو ما يُثير قلق القارة العجوز، التي تعهدت بوقف استيراد الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027.
لكن هذا الالتزام يبدو صعب التنفيذ في ظل غياب البدائل السريعة، واعتماد أوروبا بشكل كبير على البنية التحتية المرتبطة بالغاز الروسي، سواءً من حيث التخزين أو خطوط الأنابيب.
والتحديات الأوروبية لا تقتصر على إيجاد موردين بديلين، بل تشمل أيضاً بناء البنية التحتية اللازمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من دول مثل قطر، إيران، أو الولايات المتحدة. هذه المشاريع تتطلب استثمارات ضخمة وفترات زمنية طويلة قد تتجاوز 15 عاماً. وعلى عكس النفط، الذي يمكن نقله بسهولة عبر السفن من مختلف أنحاء العالم، فإن تجارة الغاز الطبيعي تتطلب منشآت خاصة، مثل محطات التسييل والتخزين، ما يزيد من صعوبة التحول السريع إلى مصادر جديدة.
وبالمقابل، فإن الإدارة الأميركية الجديدة تبعث برسائل واضحة إلى أوروبا وعليها الطاعة، ملخصها: «اشتروا المزيد من منتجاتنا، سواء كانت طاقة أو منتجات زراعية، أو استعدوا لعقوبات اقتصادية على هيئة ضرائب مرتفعة على صادراتكم». أوروبا من جهتها تدرك هذه الرسالة، لكنها تواجه معضلة واقعية: عدم وجود فائض كبير من الطاقة الأميركية يمكن الاعتماد عليه حالياً، لا سيما في قطاع الغاز الطبيعي.
على المدى الطويل، قد تتمكن أوروبا من تقليل اعتمادها على روسيا، إذا نجحت في بناء محطات جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. لكن هذا الخيار يتطلب وقتاً قد لا يرضي الإدارة الأميركية، التي تسعى لتحقيق نتائج فورية.
الوضع الراهن بين الولايات المتحدة وأوروبا يعكس مدى تعقيد العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية في ظل التوترات العالمية. وتجد أوروبا نفسها عالقة بين ضغوط الإدارة الأميركية وتحديات الاعتماد على الغاز الروسي.
يبقى السؤال: كيف ستتمكن أوروبا من إقناع الإدارة الأميركية بواقعية تحدياتها دون خسارة الدعم الأميركي، وفي الوقت ذاته تقليل اعتمادها على روسيا؟ الأيام المقبلة ستكون حاسمة في رسم ملامح هذا الصراع الاقتصادي والجيوسياسي.
كاتب ومحلل نفطي مستقل