على الرغم من أن استطلاعات الرأي الأميركية لا يعتد بها عادة بشأن المتقدم في السباق الرئاسي الأميركي على وجه الخصوص، لأسباب كثيرة منها عدم دقتها التامة، وانحيازها في بعض الأوقات. والدليل على ذلك، ترجيحها فوز كثير من المرشحين السابقين مثل هيلاري كلينتون، وكانت نتيجة التصويت مغايرة.
لكن عموماً تعد مؤشراً جانبياً كاشفاً لدرجة المنافسة والتقدم بين المرشحين، واتجاه الرأي العام، والمزاج العام، وموقف الأقليات الرئيسية من المرشحين. وفي صدد ذلك، كشف معظم الاستطلاعات الأخيرة عن تقدم لهاريس بفارق معقول على ترامب خصوصاً بعد المناظرة الأخيرة التي جمعت بينهما.
كيف يختار الأميركيون الرئيس؟
على مدار تاريخ الانتخابات الأميركية كان الاقتصاد هو العامل الحاسم في اختيار سيد البيت الأبيض. ثمة بعض الاستثناءات المحدودة جداً كان آخرها وأهمها الانحياز لبايدن على حساب ترامب الذي حقق إنجازات اقتصادية لافتة، بسبب أداء ترامب السيئ في التصدي لأزمة كورونا التي تسببت في وفاة أكثر من ربع مليون أميركي.
وعند وضع الاقتصاد في الاعتبار الذي لا يزال عاملاً حاسماً في ترجيح كفة الفوز، فالكفة بالقطع لصالح ترامب بفارق شاسع عن هاريس. التي لا تمتلك أي خبرة اقتصادية، ولا حتى أي برنامج شامل واضح. يضاف إلى ذلك، كونها شريكاً أساسياً في إدارة بايدن صاحبة أسوأ أداء اقتصادي في تاريخ الولايات المتحدة. وذلك وفقاً لمؤشرات التضخم والبطالة والفقر.
لذا، قد كشفت هذه الاستطلاعات أن كثيراً من الموالين تقليدياً للديمقراطيين، سيصوتون لترامب. كما كشفت أيضاً- وهذه مفاجأة - أن المزاج العام لبعض الأقليات الأميركية خاصة ذات الأصول اللاتينية قد أصبح يميل لترامب. على الرغم من العداء المتبادل بين ترامب والأقليات أو غير البيض عموماً. ففي ولاية ترامب الأولى، تراجعت البطالة بنسبة هائلة، وانتعش الكثير من الصناعات الوطنية بسبب الإجراءات الحمائية خاصة ضد الصين، كما تقلص الدين العام.
لكن على الرغم من ذلك، فهاريس قد تحدث مفاجأة كبيرة بالفوز في الرئاسة. بادئ ذي بدء، هناك كتلتان رئيسيتان مضمونتان لهاريس، وهم الديمقراطيون الموالون المنحازون للمرشح الديمقراطي. والثانية، أصوات الأقليات والمهاجرين أو «غير البيض» غير أميركي الأصل عموماً.
والأخيرة، تنامى أعدادها بصورة كبيرة خلال العقدين الماضيين. وإن كانت هذه الأصوات موالية تقليدياً للحزب الديمقراطي؛ فإنها أيضا أمست تميل أو تنحاز لأي مرشح «غير أبيض» حتى ولو كان جمهورياً.
يضاف إلى ذلك، وربما هو الحاسم لفوز هاريس بالإضافة إلى دعم أصوات الكتلتين السابقتين؛ هو خوف قطاع كبير من الأميركيين حتى من الموالين للجمهوريين ولترامب من فوز الأخير.
فالأخير يثير مخاوف مرعبة بشأن أمور شديدة الحساسية والأهمية للأميركيين. وعلى رأسها مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة، إذ خلفت فترة ترامب، أو ما تسمى ظاهرة الترامبية انقساماً حاداً داخل أميركا، ونكوصاً واضحاً بشأن الديمقراطية بفضل الخطاب العدائي المتصاعد ضد الأقليات والمهاجرين، وضد المؤسسات والنخب الرئيسية، طالت حتى التشكيك في نتائج الانتخابات كاد أن يدفع البلاد إلى حافة حرب أهلية بعد اقتحام أنصار ترامب المتشككين في نتائج الانتخابات مبنى الكابيتول.
وسياسة ترامب الخارجية أيضاً تثير مخاوف الأميركيين من زوايا حرجة عدة. إذ يتبدى الخوف من انعزالية مفرطة للولايات المتحدة، ستؤدي إلى فقدان أهم حلفاء واشنطن. كما تتبدى مخاوف من مسايرة ترامب الحكومة اليمينية في إسرائيل في شن حرب شاملة مع إيران، ستؤدي ضمن ما ستؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط، يفاقم بدوره مستويات التضخم العالية في أميركا.
في التقدير الأخير، ربما تعد الانتخابات الأميركية لعام 2024 أغرب وأصعب انتخابات قد مرت على الولايات المتحدة. فالناخب في حيرة من أمره لاسيما في ما تسمى الولايات المتأرجحة الحاسمة في السباق الرئاسي. إذ ما هو متاح أمامه مرشحة ديمقراطية تفتقد للكاريزما والبرنامج والخبرة. ومرشح جمهوري له سجل ناجح اقتصادي، لكن وجوده في البيت الأبيض سيثير إشكاليات وتحديات متعددة وخطيرة.