تحذيرات دولية من اتجاه لبنان «إلى الأسوأ» وتحوّله غزة ثانية

الغزو البري: صدمة أولى للجيش الإسرائيلي وارتطامٌ بحائط صد من «حزب الله»

تصغير
تكبير

- سقوط عشرات الجنود الإسرائيليين... وتدمير 3 دبابات «ميركافا»
- قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى في دمشق

بين الهجومِ الإيراني بنحو 200 صاروخ على إسرائيل، والذي خرقتْ معه طهران سقفاً أعلى من «الجدار النفسي» في المواجهة «الاضطرارية» مع تل أبيب، وارتطامِ أول مراحل الغزو البري الإسرائيلي للقرى المتاخمة للحدود الجنوبية للبنان، بحائطِ صدٍّ من «حزب الله» كبّد المهاجِمين خسائر بشريةً على وقع اشتداد موجات الاجتياح الجوي المدمّر، بدتْ «بلادُ الأرز» في فوهةِ حربٍ إقليمية تُقرع طبولها ويُخشى أن المنطقة لن تُفْلِت منها في ضوء تَحَوُّلها ممراً، إما لشرق أوسط جديد، وفق توصيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما لترسيخِ «محور الممانعة» نفوذه وإفشال «مشروع أميركي - غربي لتغيير المعادلات بالمنطقة» بحسب تعبير المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي (قبل أشهر) في معرض كلامه عن عملية «طوفان الأقصى»، التي «جاءت في توقيت حساس وكانت ضرورية للمنطقة».

وإذا كان الردُّ الإيراني الصاروخي على اغتيالِ كل من إسماعيل هنية في طهران والسيد حسن نصرالله ومعه القائد في الحرس الثوري عباس نيلفوروشان في الضاحية الجنوبية لبيروت، عزّز منحى انزلاق المنطقة إلى حربٍ شاملةٍ وسط «حبْسِ أنفاسٍ» للخطوة التالية من تل أبيب، التي يُخشى أنها ستقتنص «الفرصةَ الذهبيةَ» لتطبيق «عقيدة رأس الأخطبوط» مع إيران عوض الاكتفاء بضرْب الأذرع، وتالياً ستندفع نحو ردٍّ تريده مؤلماً على الردّ ويبقى تحديد أهدافه، فإنّ سقوطَ عشرات الجنود الإسرائيليين أمس على الحدود مع لبنان (بينهم ما لا يقلّ عن 10 قتلى) في أول «تَلاحُم» مع قوة «الرضوان» التابعة لـ «حزب الله» حتّم على تل أبيب تحت وطأة «الصدمة الأولى» معاودة تقييم خطّتها للتوغل.

ولم يكن ممكناً التكهن بكيفية تعاطي إسرائيل مع ما عبّرتْ عنه المواجهاتُ الميدانية الضارية أمس، ولا سيما في العديسة ومارون الراس ويارون والطيبة ونقاط حدودية أخرى - والتي كانت في بعضها من «المسافة صفر»، كما لعب فيها عامل العبوات والكمائن دوراً رئيسياً في تكبيد الإسرائيليين خسائر كبيرة - وسط أسئلة حول هل يمكن تل أبيب أن تتراجَع تكتياً لمعاودة تنظيم التوغل أو تُراجِع حساباتها في ما خص كل العملية بهدف الحؤول دون تبديد المكتسبات التي راكمتْها في الأسبوعين الأخيرين خصوصاً، أم أنها ستَمْضي في وضْع الأقدام في وُحول الغزو البري الذي بدا من طلائع تصدي «حزب الله» له أمس، أن الأخير لم يَفقد توازنه وعناصر القوة في هذا «الملعب» تحديداً رغم اغتيال نصر الله.

وإذ عكستْ الخسائرُ الإسرائيلية أيضاً أن التقارير الاستخباراتية عن خسارة «حزب الله» 50 في المئة من قدراته لم تؤثّر على خطوط دفاعه في قرى الحافة الأمامية، وسط اعتقادٍ أن اغتيال نصرالله، يشكّل عنصراً قوياً محفّزاً لعناصر الحزب لـ«ثأر وجهاً لوجه»، خلافاً لأي اعتقادٍ بأن سقوط قائدهم - الرمز يكسر معنوياتهم، فإن الإشاراتِ الأولى التي لاحتْ من تل أبيب بدت مؤشراً إلى تصميمٍ على هدفِ تنفيذ غزو «محدود» ومحدد الهدف لتدمير مقدرات الحزب العسكرية وانتزاعِ ورقة ثمينة لضمان أفضلية على طاولة التفاوض حول «اليوم التالي» لبنانياً التي بات من الصعب تَصَوُّر أن لا تشتمل على ضوابط تريدها للحؤول دون استعادته ما خسره جسمه العسكري والقيادي على امتداد الأشهر الماضية ولاسيما منذ 17 سبتمبر الماضي.

4 وحدات جديدة

وفي هذا الإطار، كان بارزاً أن إسرائيل استدعتْ 4 وحدات جديدة للدعم وضمت قوات مدرّعة إضافية إلى التشكيلات المُشاركة في العملية.

وأفاد الجيش الإسرائيلي في بيان، «تنضمّ الفرقة 36 بما في ذلك جنود لواء غولاني واللواء 188 مدرع، ولواء المشاة السادس، وقوات إضافية إلى العملية المحدودة والمحلية والمستهدفة على أهداف حزب الله والبنية التحتية للحزب في جنوب لبنان والتي بدأتْ الاثنين»، مؤكداً أنه «يرافق الجنود سلاح الجو ولواء المدفعية 282».

وكانت الضربات التي تلقاها الجيش الإسرائيلي، والتي استدعت تقديم نتنياهو التعزية لعائلات الجنود «ونحن في ذروة حرب صعبة»، بدأتْ مع اندلاع اشتباكات عنيفة في بلدة العديسة الحدودية، إثر محاولة تسلل عبرها قبل أن يُعلن عن وقوع جنود في مكمن وانفجار عبوة بهم، فيما كان «حزب الله» يعلن أن مقاتليه اشتبكوا مع الإسرائيليين في مارون الراس الحدودية ثم في يارون والطيبة وكفركلا، وأنه ألحق بهم خسائر كبيرة.

ولم يكتف «حزب الله» باستهداف الجنود داخل الأراضي اللبنانية بل اعتمد استراتيجية ضربهم في نقاط تموْضعهم المقابلة للحدود بقصف صاروخي ومدفعي طاول عدداً من المستوطنات، بالتوازي مع عمليات أعمق بلغت تل أبيب وحيفا.

في موازاة ذلك، أعلن الجيش اللبناني أن القوات الإسرائيلية انسحبت من منطقتي خربة يارون وبوابة العديسة، بعدما توغّلت إلى ما يقارب الـ 400 متر.

في المقابل، وفيما أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي مقتل العديد من الجنود وإصابة آخرين بجروح خطيرة خلال المعارك، حيث توزّعت الإصاباتُ بين لواء غولاني ووحدة إيغوز، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن «عناصر من حزب الله أطلقوا أعيرة نارية وصواريخ مضادة للدروع وفجروا عبوات ناسفة في الجنود»، بعدما كانت إذاعة الجيش أعلنت أن «قوة من وحدة كوماندوس واجهت مقاتلين داخل مبنى في إحدى قرى الجنوب اللبناني، وتم استدعاء وحدة الإنقاذ الطبية لتقديم العلاج للجنود في الميدان»، لافتة إلى أن «عملية الإنقاذ كانت معقدة للغاية وتمت في ظروف صعبة ووسط إطلاق النار».

وانتشرت مقاطع فيديو نهاراً لمروحيات إسرائيلية أطلقت النار قرب الحدود لإجلاء الجنود القتلى والجرحى من العديسة، وسط تقارير تحدثت عن سقوط ما لا يقلّ عن 35 جريحاً.

وفي حين أشار الجيش إلى أنه تم تدمير أكثر من 150 بنية للحزب من خلال الغارات الجوية، بينها مقرّات ومستودعات أسلحة ونقاط لإطلاق قذائف صاروخية، أكد «أننا دمرنا مواقع لحزب الله ومجمعاً قتالياً له خلال العملية البرية في جنوب لبنان وقتلنا عناصر من حزب الله خلال اشتباكات من مسافة قصيرة».

ليس سوى البداية

من جانبه، أعلن الحزب أنه دمر 3 دبابات من نوع «ميركافا» بصواريخ موجهة أثناء تقدمها إلى بلدة مارون الراس.

وأضاف أن مقاتليه فجروا عبوة بقوة مشاة تسللت إلى منزل في محيط بلدة كفركلا، وأوقعوها بين قتيل وجريح.

كما استهدف تجمعاً لقوات إسرائيلية في بساتين المطلة، وحقق إصابات مباشرة، وتصدى بصاروخ أرض - جو لمروحية معادية في أجواء مستعمرة بيت هيلل.

وفي وقت كان مسؤول الإعلام في «حزب الله» محمد عفيف يقول خلال جولة للإعلاميين في الضاحية الجنوبية لبيروت «إن ما حدث في مارون الراس والعديسة اليوم ليس سوى البداية، وأقول للجميع إن المقاومة بخير ومنظومة القيادة والسيطرة بخير، ولدينا ما يكفي من المقاتلين والأسلحة والذخيرة لهزيمة إسرائيل»، نشر الجيش الإسرائيلي ما وصفه بأنه «المشاهد الأولى لعمليات لواء الكوماندوس والمظليين في جنوب لبنان، وتصفية مخربين من مسافة قريبة وتدمير مجمعات قتالية تابعة لحزب الله».

تفريغ المناطق

في موازاة ذلك، مضى الجيش الإسرائيلي في محاولة تفريغ جنوب الليطاني بتحذيرات متوالية وجّهها لسكان عدد كبير من القرى بـ «التوجه إلى شمال نهر الأولي»، على وهج ليلة عنيفة عاشتها الضاحية الجنوبية التي استُهدفت بـ17 غارة توزّعت بين الشياح، حيث تمت تسوية 4 أبنية بالأرض، السانت تريز، مبنييْن عند مفترق الجاموس - صفير، محيط الشويفات، محيط منطقة الحدت حي الاميركان، مجمع المجتبى، غاليري سمعان قرب القاروط، مجمع الأجنحة الخمسة في الشويفات - العمروسية، قبل أن تتجدد الغارات قبل ظهر أمس، والتي لم تهدأ جنوباً ولا بقاعاً متسببة بعشرات الضحايا، وصولاً إلى تقارير عن أن «شخصيات من حزب الله والحرس الثوري الإيراني تتردد على المبنى الذي استهدفته غارة (عصر أمس) في حي المزة بدمشق».

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان، بأن «غارة إسرائيلية استهدفت شقة في مبنى سكني في حي المزة، تتردد إليه قيادات من حزب الله والحرس الثوري الإيراني»، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل، اثنان منهم غير سوريين، وإصابة أربعة آخرين بجروح.

مجلس الأمن

وعلى وقع هذه التطورات اللاهبة، وفي ظل ترقب عودة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الشرق الأوسط، بعدما زار بيروت أخيراً، بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون في «محاولة للتهدئة وإيجاد حلول دائمة للأزمة الحالية بكل جوانبها، لا سيما في ما يتعلق بالوضع في كل من لبنان وغزة»، بالتوازي مع مطالبة سيد الاليزيه «حزب الله بوقْف أعماله الإرهابية ضد إسرائيل وسكانها»، والسلطات الإسرائيلية بـ «أن تضع في أسرع وقت ممكن حداً لعملياتها العسكرية» في لبنان، حضرت التطورات الدراماتيكية في «بلاد الأرز» في جلسة مجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط.

وإذ حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من «أن الوضع في لبنان يتحول إلى الأسوأ» كاشفاً أن إسرائيل طلبت نقل أفراد «اليونيفيل» و«رفضنا هذا الأمر»، أشارتْ مندوبة بريطانيا إلى أنه «لا يمكن أن نسمح بأن يتحول لبنان غزة ثانية»، في حين شدد مندوب فرنسا على أنه «يجب تنفيذ القرار 1701 في لبنان وعلى كل الأطراف حماية قوات اليونيفيل وضمان سلامتهم»، وأعلنت مندوبة الولايات المتحدة «أن ما يحدث في لبنان هو نتيجة دعم إيران لحزب الله».

وفي روما، وعدت مجموعة السبع بالعمل بشكل مشترك لخفض التوتر في الشرق الأوسط، وأعلنت أن الحل الدبلوماسي للنزاع الذي يتسع نطاقه «مازال ممكناً»، معتبرة أن «نزاعاً إقليمياً واسع النطاق ليس في مصلحة أحد».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي