خواطر صعلوك

«أمك حلوة أوي يا كبير»!

تصغير
تكبير

أطلّ عليّ هذا الشهر الكاتب الرائع بلال فضل، بكتابه الممتع «وصفة جديدة للرز بالشعرية» المليء بقصص قصيرة ونحيلة ووصفات جديدة في الكتابة والحياة... وقد استوقفتني هذه القصة التي يقول فيها «كشأن كل الأمهات الجامعيات بنات المدن، لم تكن أمي تجيد صنع الخبز أبداً، قلت لها ساخراً، وأنا أودعها لأسافر إلى جامعتي، إنني غاضب منها لأنها حرمتني من أن أردد مع محمود درويش: (أحنُّ إلى خبز أمي وقهوة أمي)، فهي لا تحب القهوة ولا تجيد صنع الخبز.

في الزيارة التالية لي حاولت أن أعرف سر الضمادة التي تلف يدها اليمنى، لكنها كانت تغير الموضوع كلما سألتها، وعندما دخلت لتنام، أخذتني أختي إلى سطح المنزل، وأرتني فُرناً بدائي الصنع ظهر فجأة في ركن السطح ثم قالت لي بما معناه: (يد أمك الملفوفة بالضمادة تُخفي حرقاً تعرّضت له لأنها حاولت أن تتعلّم كيف تجعلك تَحِنُّ إلى خبز أمك يا روح أمك).

عزيزي القارئ، لا أعلم لماذا أقف، وفي كل مرة، مذهولاً أمام عالم «الأمومة»، هذا العالم الذي كنت لا أبصره عندما كانت أمي توقظني في الصباح، ولكن بعد أن ماتت في يوم عادي، واستيقظت وحيداً بعد رحيلها، أبصرت عالم الأم، واعتبرت كل أمهات أصدقائي، «أمي»... وكتبت أجمل النصوص بالنسبة لي في «الأم» وقرأت كل ما يتعلق بالأم، وفي النصوص أو المسلسلات فإني أُقيم دور الأم في النص أو الشاشة!

وعندما لاحظ أحد أصدقائي وانتبه لهذه الحالة، علق قائلاً إنني أعاني من «متلازمة تعلق الأم» أو«متلازمة التعلق الأمومي»...

لا أذكر تحديداً المصطلح الذي استخدمه، ولكن ما فهمته منه أنها حالة نفسية تحدث عندما يكون الشخص متعلقاً بشكل مفرط بوالدته.

في الواقع عزيزي القارئ، عدت إلى البيت يوم الأحد وأنا أفكر في تشخيص صديقي، ورغم أنه غير متخصص في الطب النفسي، ولكنه يجيد لعب البلياردو والكذب واللغة الإنكليزية، إلا أن في كلامه شيئاً من الصحة، أما يوم الإثنين فقد أعدّت لي زوجتي كوباً من الشاي بالنعناع، ومخبوزات تشبه تلك التي كانت تعدها أمي، وجلست على الشرفة أتأمل في سبب تعلقي الأمومي؟

وفي يوم الثلاثاء صباحاً توصّلت إلى قناعة مفادها أني لا أتعلق أو أُقدر كل الأمهات، فأم «منى» لا تشبه أمي، ولا أحمل لها أي مشاعر تقدير.

وفي يوم الأربعاء، اكتشفت أن مفهوم الأمومة قد تطوّر عبر الزمن وأصبح يعكس تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية، ففي الماضي، كانت الأم تلعب دوراً مركزياً في الأُسرة، وتحرق أصابعها لكي تخبز لأبنائها، أما اليوم، فهي تلعب بالتلفون وتلعب دوراً مركزياً في القطاع الوزاري، ولم تعد تحرق أصابعها بل تحرق سعراتها الحرارية في النادي، وبعد أن كانت تجري لطلبات أبنائها، أصبحت تجري على أجهزة المشي والكارديو.

في يوم الخميس، قرأت إحصائية عن الأمهات اللاتي يتنقلن بين عيادات التجميل وإبر التخسيس، وقرأت مقالاً غربياً عن أمهات تركن أبناءهن مع الخدم من أجل السفر والتمدد على الشواطئ!

وقبل أن يخرج لي قارئ من بين سطور المقال، ويتهمني أن أقلّل من احترام الأمهات الباحثات عن الجمال والعناية، ويخبرني أن الاهتمام بالصحة والجمال جزءٌ لا يتجزأ من حياة العديد من الأمهات اليوم، وأن هذا التحول يعكس تغير القيم والمعايير الجمالية في المجتمع، بالإضافة إلى التحسن في الوعي الصحي... فأحب أن أخبرك عزيزي القارئ أنني أحترم كل الأمهات النسويات والمستنيرات والمنقبات والسطحيات والعميقات والحاصلات على دورات في التنمية البشرية، ولا يسعني في الختام إلا أن أذكر أن جوهر الأمومة ثابتٌ؛ فالأمومة لا تزال تعني الحب والتضحية والعناية بالأبناء، سواء كانت الأم تحرق يدها في الفرن أو تحرق سعراتها الحرارية في الصالة الرياضية... ففي النهاية كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

*ملاحظة:

عنوان المقال هو مقطع في مسلسل «الكبير أوي».

moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي