نقطة على الحرف

مكامن القوة

تصغير
تكبير

مفهوم المصلحة الوطنية national interest يتمحور حول المنفعة وكيفية تحقيقها لمصلحة الدولة من خلال وسائل محددة وواضحة... العالم اليوم ليس هو العالم بالأمس... لم تعد الدول تجنح إلى الخيارات العسكرية كأولوية لتحقيق مصالحها بل تلجأ إلى مفاهيم ومصطلحات جديدة كمصطلح الديبلوماسية الناعمة للمفكر الأميركي جوزيف ناين، وهو الاعتماد على المخزون الثقافي والفني والأخلاقي لدى الدول وتأثيره على الدول والمجتمعات الأخرى، أو الديبلوماسية الاقتصادية وتأثيرها على ضبط السلوك السياسي للدول الأخرى.

المصلحة الوطنية تتطلب الواقعية بمعنى قدرات كل دولة على تحقيق هذه المصلحة والدفاع عنها. المصالح هي المحرك للعلاقات بين الدول. والمصالح متغيرة ولذا الديناميكية الديبلوماسية والسياسية مطلوبة للتفاعل مع المتغيرات. اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لم تعد الدولة العسكرية القوية بل تحولت إلى دولة اقتصادية عملاقة وبدستور جديد حاكه الحاكم العسكري الأميركي دوغلاس ماكارثر، وأصبحت اليابان حليفة للولايات المتحدة الأميركية بعد أن كانت عدوة لها. ألمانيا هي الأخرى أنعشت بمشروع مارشال ولم تدعها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية أن تنهار وتسقط بشطرها الغربي في أحضان الاتحاد السوفياتي كما حدث لشطرها الشرقي.

هنري كيسنجر، زار الصين في يوليو 1971 سراً وأجرى محادثات مع شوان لاي، رئيس الوزراء لترتيب زيارة للرئيس نيكسون، إلى بكين والتي تمت في فبراير 1972، وشكلت في ما بعد تبدلاً في موازين القوى الدولية كل ذلك من أجل المصلحة الوطنية.

الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، لم يرقص على أسوار برلين احتفالاً بتوحيد شطري ألمانيا احتراما لروسيا وهو دافع المصلحة الوطنية أيضاً.

الهند وما لديها من خلاف حدودي كبير مع الصين منذ الحرب الحدودية عام 1962، كانت وجهة رئيس الوزراء الهندي مودي، لزيارتها عند انتخابه رئيساً للوزراء عام 2015، وهي زيارة ذات بعد اقتصادي بالدرجة الأولى. واليوم نرى الهند تنمو اقتصادياً كخامس اقتصاد في العالم وبناتج محلي إجمالي متوقع 7 ٪.

وتجدر الإشارة إلى أنها أي الهند كانت أول من اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ولم توافق على قرار الأمم المتحدة عام 1947، بأعطاء اليهود دولة في فلسطين، ولكنها في عام 1992 أقامت علاقاتها مع إسرائيل نتيجة لحسابات عربية خاطئة في حينها ودفعت نيودلهي للبحث عن مصالحها الوطنية، ولذا جاءت زيارة مودي لإسرائيل عام 2017 كأول رئيس وزراء هندي لها.

المصالح الوطنية تتطلب رؤية إستراتيجية واقعية يخطها خبراء أصحاب أُفق إستراتيجي يضعون مصالح الدول فوق كل الاعتبارات وتقوم هذه الخطط على عوامل عديدة أهمها: اغتنام الفرص القائمة على ما لدى الدول من إمكانات مادية وبشرية وسرعة اتخاذ القرارات الإستراتيجية من منظور جيوسياسي. والتعاون على مبدأ المصالح القائمة وترك الخلافات بمفاهيمها الواسعة، فاليابان لديها خلافات حدودية مع كوريا الجنوبية ولكنها حليفة لها ضمن التحالف الثلاثي الإستراتيجي مع الولايات الأميركية، وكذلك لديها خلاف حدودي بحري مع الصين، ومع ذلك لديها تعاون في مجالات عديدة، ولديها خلاف مع روسيا في ما يتعلق بالجزر الشمالية وفي الوقت نفسه لديهما استثمارات مشتركة في الشرق الأقصى. وغيرها الكثير من الدول التي تسعى لتحقيق مصالحها والدفاع عنها بمشاريع مشتركة وإن كانت مع دول لديها خلافات تكون حدودية بالدرجة الأولى.

والعامل المهم لتحقيق المصالح الوطنية هو السلام الوطني الداخلي والحفاظ على الاستقرار المجتمعي وبناء الإنسان فهو المورد الرئيس للتطور، فالدول آنفة الذكر وغيرها من الدول المتطورة لم تبن إلا بسواعد أبنائها وهذا لم يتم إلا من خلال الاهتمام بالتعليم وأساليبه الحديثة واستقطاب العقول المبدعة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي