No Script

الجدل الكويتزنطي

تصغير
تكبير

منذ فترة طويلة قد كتبت حول الجدل السياسي في الساحة الكويتية والذي لا طائل منه في مقابل القضايا الإستراتيجية المستحقة للانتباه، ولا بأس بالتذكير بها.

تعود عبارة «جدل بيزنطي» إلى سرديات عدة، منها ما يشير إلى الجدل بين أهل بيزنطة الذين كانوا محاصرين بجيش مُعادٍ لهم بينما انصرفوا الجدل حول ما إذا كانت الدجاجة أتت أولاً أم البيضة! وفي النهاية لم يحلوا اللغز إلا أن الغزاة قد احتلوا بلدتهم! وفي رواية ثانية أن الجدل كان محتدماً بين قساوسة بيزنطيين حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام، حتى تفرقوا وانقسموا إلى فئات وطوائف وتنازعوا في عداء أدى إلى مقاتل عظيمة بينهم دون أن يصلوا لحل متفق عليه لذلك السؤال!

بغض النظر عن صحة أي من الروايتين، وبعيداً عن التشبيه، إلا أنهما ينطبقان على حالنا في الكويت إلى درجة كبيرة. بالنظر إلى التحديات التي تواجهها دولتنا، وبالنظر إلى تسارع الأحداث التي تحيط بنا إقليمياً ودولياً في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية والمهنية، فإننا ووفقاً لأغلب المعايير نقع في خلف الركب الدولي في شتى المسارح التنافسية.

إننا فعلاً نحتاج لكل ثانية لندخرها في صناعة الحدث الذي يقربنا مما نطمح له ويضعنا في درجة أعلى في سلم التقييمات الدولية.

في ظل هذا الإدراك الذي يعلمه الجميع، وفي ظل تعالي الأصوات التي تنشد التنمية والتقدم والخروج من دوائر الجدل العقيم إلى فسحة التطور والحداثة، ننشغل وبكل أسف بجدل بيزنطي ولكن على الطريقة الكويتية تدعونا لتسميته بالجدل «الكويتزنطي».

الجدل «الكويتزنطي» سلبياته تضاعف الجدل البيزنطي لكونه لا ينظر في القضايا المطروحة، والتي لا قيمة لها في مقابل التحديات والأمنيات، بل ينظر في شخوص من يتناولون هذه القضايا. بمعنى آخر لو افترضنا أن أهل بيزنطة كانوا بالفعل مشغولين في مسألة البيضة والدجاجة أو حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام، فإننا في الكويت ليس منشغلين في قضايانا الهامشية مقارنة بالإستراتيجية فقط، بل حتى تلك القضايا الهامشية ننظر لها من حيث شخوصها وهوية من يتناولها.

وعلى سبيل المثال، لو انشغلنا في مسألة البيضة والدجاجة مثل أهل بيزنطة فإن الجدل الكويتي سوف لن يقف عند الخلاف حول من أتى أولاً للكويت بل إن القناعة بالرأي والنظر إلى الاستدلال عليه لا ينظر له من حيث كونه رأياً بل من حيث هوية من يتبناه، و«هوية الدجاجة والبيضة» وشكلهما ولونهما بحيث ينحدر الجدل إلى أسئلة أخرى من قبيل، هل الدجاجة من هذه الفئة أم تلك وهل بيضة دجاجة أم بيضة ديايه؟! وهنا يكون الجدل الكويتي بالفعل جدلاً في شكل هندسي يفضي إلى مخرجات تسير بشكل متواز غير قابلة للالتقاء أبداً.

لست بحاجة لدليل حول خطورة الجدل الكويتي الذي قد أكده الكثير من الزملاء الكتاب والصحافيين والمثقفين قبلي خاصة خلال الفترة الحالية التي تم الاستقطاب فيها على أساس المضاعف الطائفي أو العامل الفئوي في كل قضية.

لقد أصبح الجدل الكويتي الذي يجبل على صناعته تجار الطائفية والفئوية غلافاً لكل قضية وقصة وحادثة. بكل أسف أن نجد البعض ممن يفترض فيهم الحكمة ينساقون بشكل متهندس خلف تلك المتاريس لجمع أكبر عدد من الأصوات والمطبلين والمزمرين ليحدثوا جلبة تعلو على صوت العقل والحكمة.

لنعلم أن ما يجمع الكويتي بغض النظر عن مدى اختلافه مع المواطن الكويتي الآخر أكبر بكثير مما يجمع هذا المواطن مع مواطن من أي بلد آخر مهما كان وضع هذا البلد مع احترامنا لهم جميعاً، فلماذا نذيب أجندتنا التي تجمعنا في أجندات الآخرين التي تفرقنا! فمهما بلغت أهمية تلك القضايا فإن اختلافنا بشأنها يجب ألا يصنع منها أخوة تراب أعداء. إن ذلك شيء لا يمكن فهمه إلا من خلال معادلة الربح السياسي «الكويتزنطي» على حساب خسائر المواطن الكويتي.

بالفعل، فنحن في الكويت ننشغل في الكثير من الأحيان في قضايا غيرنا أكثر من قضايانا، ومنها نتمترس في جيوبنا الاجتماعية لنطلق النار على بعضنا البعض على شكل تهم بالخيانة والتكفير والتشكيك في الولاء والفساد في الذمم والقيم من خلال جدلنا «الكويتزنطي».

بكل أسف قد جعلنا الكويت التي تجمعنا في شكل ساحة جدل وحرابة واحتدام في المواقف من أجل قضايا خارجية نختلف أو نتفق بشأنها مهما بلغت أهميتها لكنها يجب ألا تطغى على وحدتنا التي هي موطن قوتنا.

العجيب أن الأغلبية تشعر بخطر هذا الجدل «الكويتزنطي» والجميع يندد بالتفرقة، لكن لنكن صريحين مع أنفسنا ونسأل، كيف يتمكن تجار الفئوية والطائفية النجاح لترويج وتسويق بضائعهم على الرغم من علم الجميع بفسادها؟ إذاً لنعترف بأن هناك سوقاً رائجاً يستعر فيه الطلب ويزيد على العرض. لنكن صريحين، من هم هؤلاء المتاجرون الذين يقفون خلف وراء ذلك الجدل «الكويتزنطي»، ومن هم المستهلكون القابلون والطالبون لبضاعتهم الفاسدة؟!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي