No Script

المعنى النفسي لشارب الخمرة

تصغير
تكبير

يُحكى أنه لما غُرست الكرمة، جاء إبليس فذبح عليها طاووساً، فشربت من دمه، فلما طلعت أوراقها، ذبح عليها قرداً فشربت من دمه، ولما طلعت ثمرتها ذبح عليها أسداً فشربت من دمه، فلما انتهت ذبح عليها خنزيراً فشربت من دمه:

فلهذا شارب الخمر تعتريه هذه الأوصاف الأربعة وذلك إنه أول ما يشربها وتدبُّ في أعضائه يزهو لونه ويحسن كما يحسن الطاووس، فإذا جاءت مبادي السّكر لعبَ وصفّق كما يعمل القرد، وإذا قوي سكره جاءت صفة الأسد فيعبث ويعربد ثم يهذي بما لا فائدة منه بعدها ينعقص كما ينعقص الخنزير ويطلب النوم في أي مكان فيرمي نفسه:

قصة خيالية... من الانفعال النفسي الذي يبدو على شاربها، يُشابه ما جاء في قصة شارب الخمر... شعراء العهد الجاهلي وصفوا لونها الخارجي وأثرها في جسم الإنسان وصحته وبدنه.

هكذا الانفعال النفسي الذي يبدو على شاربها يُشابه ما جاء في القصة تماماً، ونحن ننتظر من شعراء الجاهلية أن يصفوا لنا بعض مشاعرهم لدى شاربها ويعبّروا عن انفعالاتهم تجاهها، ولكنهم اكتفوا بالوصف الخارجي لها، فكلهم وصفوها باللون الأحمر، وبكل ما يُشبه هذا اللون كالتوت والعندم وفصوص الخواتم... ووصفوا كؤوسها بأرق الأوصاف والألوان بالزجاج الملوّن والذهب والفضة. ولم يصوّروا مظاهرها في شاربها ولم يتحدثوا عن مشاعرهم النفسية...

صوّر امرؤ القيس ما تفعله الخمرة في مخيلته إذ تهيّأ له أن الخيل غدتْ أشبه بصغار الغنم وأن اللون الأسود انقلب إلى اللون الأبيض.

قال:

ونشرب حتى نحسب الخيل حولنا نقاداً

... وحتى نحسب الجون أشقرا

أما لقيط بن زُرارة فقد اختلط عليه الأمر فحسب نفسه أحد الملوك:

شربتُ الخمر حتى خِلتُ أني

أبوقابوس أو عبد المدانِ

وصوّر المنخل البشكري نفسه لدى شُربها فقال:

وإذا سكرتُ فإنني رب الخورنق والسدير

وإذا صحوت فإنني رب الشُّويهة والبعير

وتبدو مظاهر الكرم التي بدت على الشعراء كعنترة وطرفة... وهذه الظواهر من مفعول الخمرة...

وعن المعاني النفسية التي كانت تعتلج في نفوس بعض شاربيها من الشعراء الجاهليين وأشهرهم الأعشى، وقليل من الشعراء التفتوا إلى النواحي النفسية في مجالسهم الخمرية وما قالوا عنها... وهذا جانب من صور مجالسهم الخمرية:

إذا انكب أزهرُ بين السّقاةِ

تراموا به غربا ونضارا

(أزهر : إبريق فضي - تراموا به: هموا به - غرباً: لون الفضة).

أما عمرو بن كلثوم، فيرى الخمرة جاليةً للنفوس، مزيلة للهموم تفتح أبواب البذل والكرم.

تجور بذي اللّبانة عن هواهُ

إذا ما ذاقها حتى يلينا

ترى اللحز الشحيح إذا أمرّت

عليه لما له فيها مهينا

خمور الجاهلية كانت تُجلب من بلاد فارس وبلاد عربية أخرى..

وطلاء خسروانيّ إذا

ذاقه الشيخ تغنى وارجَحنّ

ويقول شاربها إنها لذيذة مهدئة للأعصاب بجانب ما تدفع صاحبها للمشاكل والإجرام كما نرى ذلك في أوروبا والبلاد التي تُجيزها...

وأحسن واصفيها في العهد الجاهلي الأعشى.

قال:

فقام وصبّ لنا قهوةً تُسكّننا بعد إرْعادها

(القهوة: هي الخمرة)

والأعشى، صوّر عربدة الشاربين وصرف أموالهم ثم تدفعهم إلى العراك والخلاف، وتدفعه الخمرة إلى رهان وبيع ما يملك.

ويقول الأعشى: إنهم بعد العربدة يتمددون على الأرض وإذا ناموا حملهم الخمّار إلى خارج الخمّارة ورماهم إلا إذا دفعوا أجار رقادهم، وطالما ينشب عراك بين الخمّار والسكارى ومنهم مَنْ تدب الخمرة بمفاصله فتعيقه عن الحركة والقيام.

وللأخطل صورة ذلك:

صريع مدام يرفع الشّربُ رأسه

ليحيا وقد ماتت عظامُ ومفصل ( 1 )

(1) المرجع: كتاب الأعشى شاعر المجون والخمرة/ 1979 للدكتور محمد التونجي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي