No Script

«المسحراتي» عادة رمضانية ومظهر شعبي متوارث

«أبوطبيلة»... مكافح في الشهر الفضيل

تصغير
تكبير

- خلف القلاف لـ«الراي»: الجميع ما زال يحب «أبوطبيلة»
- صالح المسباح: كان يطوف على «الفرجان» و«السكيك» حاملاً بيده عصا ويقرع على طبلته
- يصبر ويسهر طيلة 30 ليلة للحصول على المقسوم
- نصيب قرقيعان «أبوطبيلة» يختلف عن قرقيعان الصبيان

«قوم يا نايم وحّد الدايم... يا نايم قوم قوم».

... هذه العبارة التي كان يرددها «أبوطبيلة» في الماضي الجميل تكاد تكون قد اندثرت في وقتنا الحالي، ولم يعد الجيل الحالي من الأطفال وحتى الشباب يسمعونها في شهر رمضان الكريم، كما كانت الحال في الماضي، وبهذا قد لا يعرفون أساساً من هو «أبوطبيلة»، وما دوره الذي يجتهد به طوال أيام الشهر الفضيل.

سرد تاريخي

سرد الباحث في التراث الكويتي صالح خالد المسباح المريخي لـ«الراي» حكاية «أبوطبيلة»، هذه المهنة التي يمكن القول إنها فعلياً قد اندثرت اليوم، بعدما كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشهر رمضان الكريم، وقال «مظهر شعبي متوارث في الكويت والعالم الإسلامي ويسمى في بعض البلاد العربية (المسحراتي) نسبة إلى وقت السحور، ويتكرر فقط في شهر رمضان المبارك. و(أبوطبيلة) تُنسب إلى الطبلة، أي الطبل الصغير تصغير الطبلة».

طبيعة المهنة

وتابع: «يصحو أحد رجالات الكويت في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك حاملاً طبلته، ويطوف على الفرجان والسكيك والبيوت، وهو حاملاً بيده عصا ويقرع على طبلته، هذا الرجل المحتاج إلى المال ليسد جوعه ويصرف على أهل بيته، وشهر رمضان فرصة من أغلى الفرص لديه، ولابد أن يجتهد ويصبر ويتعب ويسهر الليالي طيلة 30 ليلة للحصول على المقسوم من أكل أو بيزات، ومن ليالي القرقيعان يحصل على المُكسّرات والحلويات والبرميت وغيره». وأضاف «قرقيعان (أبوطبيلة) نصيبه يختلف عن قرقيعان الصبيان، هذا الرجل المكافح تاركاً أهله وعياله، حاملاً على كتفيه طبلته طيلة الشهر الفضيل، وينشد مردداً: لا إله إلا الله محمد رسول الله... قوم يا نايم قوم / قوم يا نايم وحّد الدايم... يا نايم قوم قوم».

علاقة الأطفال به

وأردف المريخي: «يلتف حول أبوطبيلة الأولاد وهم يغنون ويصفقون معه مرددين ما يقوله، كما يساعدونه في حمل المواد من سحور وغيره التي حصل عليها من ربّات البيوت، من الأرز والقمح والتمر والسكر والملح، وأحياناً يعطونه (الفطرة) وهي زكاة شهر رمضان المبارك من غالب قوت أهل البلد وغالباً تكون الأرز، فيسير معه الأولاد فترة وبعدها يرجعون إلى بيوتهم لأكل السحور، ومن يعطه شيئاً من بيزات أو الطعام يردد: من عطا عسى يعوده... من عطا عسى يعوده».

وأضاف المريخي: «في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك يوقظ أهالي الفريج لتناول السحور، انطلاقاً من حديث الرسول عليه أفضل الصلاة السلام: (تسحروا فإن في السحور بركة)، ويردد بعض الأهازيج ومن خلفه يردد الأطفال: (قوم يا صايم، واطلب ربك الدايم)، حتى انه في أواخر ليالي الشهر الفضيل يُودع الشهر مردداً بالصوت الحزين: الوداع الوداع يا رمضان... وعليك السلام شهر الصيام».

حسين القطان..

و«أبوطبيلة»

عند الحديث عن شخصية «أبوطبيلة»، لا يصح أن نغيب عن الفنان حسين القطان (بوجسّوم) الذي ذاع صيته في تقديمها على مرّ سنوات طويلة، لكنه ابتعد خلال السنوات الماضية بسبب المرض وكبر سنه.

بوجسّوم هو أحد أهم مؤسسي فرقة عائلة بوجسّوم، التي كان ظهورها الأول من خلال الإذاعة الكويتية وصولاً إلى شاشة التلفزيون لاحقاً، ومما قدمته برنامج «أبوطبيلة»، ومنه ارتبط اسم بوجسوم بهذه الشخصية.

حرص خلف القلاف، ابن الخامسة والخمسين عاماً، على الاهتمام بالتراث الكويتي من خلال ابتكاره لشخصية الملا علي، ودمجها مع شخصية «أبوطبيلة» منذ أكثر من 15 عاماً، حيث يحرص على التواجد في غالبية الفعاليات لتذكير جيل الشباب والأطفال بالماضي الجميل من تراث الكويت الزاخر.

مُجالسة الكبار

وعن ذلك، قال لـ«الراي»: «لقد اكتسبت معلوماتي المتعلقة بالتراث الكويتي منذ الصغر، إذ كنت شديد الحرص على الجلوس مع كبار السن (الشيبان)، كما كنت متابعاً جيداً لتلفزيون الكويت والمسلسلات الكويتية القديمة المليئة بالمفردات، وبكل ما هو متعلق بالجانب التراثي والمعلومات، فآخذ من هنا وهناك. كما انني ما زلت قارئاً جيداً لكل الباحثين في التراث الكويتي، وأسأل الأحياء منهم عن كل ما أجهله، لأزيد من معرفتي وأطور من نفسي».

وأردف: «كنت حريصاً على أن أكون ذكياً في تقديم شخصيتي الملا علي وأبوطبيلة، بحيث حافظت على التراث ومزجته بالحاضر، خصوصاً مع جيل الشباب الذكي الذي من الصعب أن يُعجب بشيء في ظلّ وجود التكنولوجيا المتطورة».

شخصية الملا علي

وأكمل: «أقدم من خلال شخصية الملا علي الرسائل الاجتماعية معتمداً على الارتجال، مع الحرص على تقديم الجانب التراثي والأخلاقي والديني واللهجة وخلافه، مع تعزيز القيم وتأصيل كل ما هو جميل في ماضي الكويت ممزوجاً بروح الكوميديا التي تعتبر طريقاً سريعاً إلى قلوب الناس. وطبعاً أقوم بذلك مرتدياً الزي الكويتي القديم بكل تفاصيله، حتى أبيّن الهوية لكل ما يشاهدني».

التطعيم بالتراث واللهجة

وتابع: «طوال أيام شهر رمضان الكريم أنتقل إلى شخصية أبوطبيلة ممسكاً الطبلة، وأتواجد في أكثر من مكان بين الناس، مردداً كل ما كان يردده أبوطبيلة في الماضي، إلى جانب ذلك أحاول قدر المستطاع أن أعطي المعلومات عن هذه المهنة التي اندثرت في زمننا الحاضر، وأطعمها بالمعلومات التراثية المتعلقة بالكويت ولهجتنا الجميلة، فتجدني أصحح للأطفال بعض الكلمات الدخيلة علينا، حتى لا تندثر».

الكل يحبها

واستطرد القلاف: «يسعدني أن الناس كباراً وصغاراً ما زالوا يحبون شخصية أبوطبيلة ويتفاعلون معها، إذ عندما أقدمها أجد الكثيرين يشبهونني بشخصية بوجسّوم، وهو أمر يُسعدني، خصوصاً أنه لم يعد هناك أحد يكمل هذه المسيرة حتى من باب التذكير للحفاظ عليها. إذ من بعد اختفاء شخصية بوجسوم عن الساحة بسبب كبر سنه ومرضه لم يعد يوجد البديل، لهذا يمكن القول إن شخصية الملا علي تعتبر هي البديل في الجانب التراثي الكوميدي التي كان يقدمها بطريقته الجميلة».

الحصول على عيدية

لم يكن دور «أبوطبيلة» مرتبطاً بشهر رمضان فحسب، بل كان ممتداً إلى أيام عيد الفطر السعيد من شهر شوال، وعن ذلك، قال المريخي: «في نهاية شهر رمضان، وأول يوم من عيد الفطر من شهر شوال، يطوف (أبوطبيلة) على البيوت، ويقرع على طبلته مردداً: (عادت عليكم، والشر ما يجيكم، وعساكم من عواده)، ويمر على البيوت بيتاً بيتاً من الذين كان يوقظهم بالسحور للحصول على العيدية».

وأوضح «المقصود بهذا دعاء للأهالي أن يعيد الله شهر رمضان السنة المقبلة وهم في أتم صحة وعافية. وحينما يسمع الأهالي أن (أبوطبيلة) في فريجهم (الكل من الأهالي ومدة يده) حسب استطاعته، يعطونه من البيزات أو الأكل والعيش أو التمر، ويضع هذه العطايا في كيس يسمى (الخِرج) على ظهر حماره».

ويذكر الأستاذ أيوب حسين رحمه الله في كتابه «خواطر شعرية»: «أنا بوطبيلة أدور كل ليلة... أصحي النايم بس في رمضان».

وكذلك يقول: «عادت عليكم يا ناس... عسى ما يحوشكم الإفلاس / إن شاء الله من عواده... ويسلم أبوكم الراس / عطونا الله يعطيكم... وبيت مكة يوديكم / أطلب ربي يغنيكم... ويطرد عنكم الوسواس».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي