ربيع الكلمات
أنسنة المدن... قطر نموذج
«أنسنة المدن» تعني جعل المدن أكثر ملاءمة للعيش، وتمكن المرء من الاستمتاع بحياته وتطوير إمكاناته ومزاولة حياته الفكرية والعملية والاجتماعية، وليس مجرد مكان يسكن فيه، وذلك بالتركيز على الجانب الإنساني في تصميم الطرق والشوارع والحدائق، مع سهولة الحركة لأفراد المجتمع كافة.
وقبل فترة كنت في زيارة قصيرة إلى قطر، ومما لفت انتباهي هو أنسنة المناطق وجعلها صالحة للاستخدام بشكل فعّال أكثر من قبل، من حيث جودة الشوارع ونظافتها، والزراعات التجميلية وزراعة الأشجار والبعد عن النخيل، وتنوع وسائل النقل داخل المناطق.
أما الشوارع فتم تصميمها بشكل ملائم للإنسان، فصاحب السيارة لديه طريق وحارة، وكذلك السيارات الكبيرة، وهناك فتحات بالرصيف لكي تتوقف السيارات دون أن تعطل خط المرور، وبجانب الشوارع تم وضع حارات خاصة لأصحاب الدراجات الهوائية، وطبيعة تصميم الشوارع تناسب المشاة، وكذلك طريق خاص لأصحاب الهمم، وهناك مجموعة من وسائل النقل سواء التكاسي، أو المترو الذي يذهب إلى كل مناطق قطر تقريباً بسعر زهيد جداً باليوم، وحل مشكلة ازدحام الشوارع ليس بتوسيعها أو بناء الجسور، وإنما في تنويع وسائل التنقل كما تفعل قطر.
أما الزراعات التجميلية في قطر فكانت جداً مميزة، وتمت زراعة شجرة البوهينيا على امتداد الشوارع، وهذا هو الصحيح زراعة الأشجار وليس النخيل، حيث إن شجرة النخيل لا تصلح للزراعة في الشوارع بسبب كثرة حاجتها للرعاية والمياه بشكل يومي وأكثر من مرة، على عكس الأشجار التي لا تحتاج هذه الكمية، والنخيل مكانه المزرعة والبيت وليس الشوارع.
ولن تكون لدينا جودة في الحياة ما لم تكن الشوارع صالحة للاستخدام، ومن خلال إعادة تنظيم المدن نجعلها صالح لحياة الإنسان مع وجود الأوسطية الترفيهية والثقافية والاجتماعية، ومشاركة المهندسين المعماريين والمدنيين مع أصدقاء البيئة وأخذ رأي الأهالي، هذه المناطق سيعيش عليها الإنسان سنوات من عمره، فلا بد من أن تكون صالحة للاستخدام.
نعم، صحيح أن دول الخليج ليست منافسة لبعضها ولكن الأفضل أن يكون هناك تكامل وترابط مع بعضها البعض، أما أنسنة المدن فهذا يجب على الجميع تطبيقه، وفعلاً معظم الدول حالياً تسعى لهذا الأمر، أما نحن في الكويت ما زلنا متأخرين عن جعل المدن صالحة للاستخدام، ولذلك نجد الكثير من حوادث الدراجات الهوائية بسبب شح الأماكن المخصصة لها.
وأطلقت وزارة الشؤون البلدية والقروية السعودية مبادرة «أنسنة المدن» بهدف تحسين جودة الحياة في المدن وتحسين المشهد الحضري، وتطبيق معايير الوصول الشامل في المرافق البلدية وممرات المشاة، وضمن هذه المبادرة استحدثت الوزارة 20 مليون متر مربع من المتنزهات والحدائق والأماكن العامة في مدن المملكة كافة، والتي تهدف إلى تحسين جودة حياة الفرد والأسرة من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزّز مشاركة الأشخاص في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية، والتي تساهم في تعزيز جودة الحياة واستحداث الوظائف وتنويع النشاط الاقتصادي.
آن الأوان للتفكير بصوت مرتفع وإعادة تخطيط المدن والمناطق من جديد وجعلها صالحة للاستخدام، مع تكبير المساحات الخضراء وهناك العديد من الدراسات التي تؤكد على أهمية الصحة النفسية وعلاقتها بالزراعة والخضرة، وكذلك كثرة المساحات الخضراء تقلل المشاكل بين الناس خصوصاً فئة الشباب حيث إن لديهم متنفساً ومكاناً لممارسة الهوايات.
