هويتنا الكويتية المُتغيرة !

تصغير
تكبير

لم تعد هناك هويات وطنية خاصة ثابتة بشعب بعينه، فالأميركي في الخمسينات وقبل هو الأبيض بعيون زرقاء أو هو الكابوي، لكن بعد ذلك هو الأبيض والأسود واللاتيني.

ففي العشرينات من القرن الماضي نزل شخص عربي نيويورك وعندما سأله أميركي: «من هو؟» رد بقوله «أنا غريب»، فرد الأميركي «كلنا أغراب هنا»، ونهضة أميركا وتميزها أنها استوعبت كل الأعراق، حيث إن «سيلكون فالي» ودخول عالم تكنولوجيا المعلومات دعمه بقوة المهاجرون الهنود وغيرهم الذين تخرجوا من معاهد العلوم والتكنولوجيا في الهند، حيث يتقدم لتلك المعاهد كل عام ما يقارب من 30 ألف طالب، ولا يُقبل إلا 3 آلاف من النوابغ، لهذا أصبحت أميركا أكثر قوة بهم.

وأذكر أن باحثاً عراقياً سمعت له حديثاً تلفزيونياً لفت انتباهي، وهو أن الشعوب الأقل تطوراً هي التي تتكون من جنس واحد ولغة واحدة، وذَكر الصومال لأنها من عرق واحد، ولا اعرف مدى صحة كلامه.

في الكويت، ما زال لدينا فئة تروج أن هناك هوية كويتية واحدة للكويتي، يجب أن تكون ثابتة، وهذا قول مُبالغ به، فالكويت لم تصنع هويتها إلا عبر قدوم كثير من الفئات من دول مجاورة، وهذا خلق لها تميزها واستقرارها.

فأول الهجرات كانت هجرة العتوب، وجماعات أخرى للكويت، ومن هنا بدأ تكوين الإمارة، والهجرة التالية هي هجرة عدد من تجار البصرة والزبير العراقيين إلى الكويت هرباً من احتلال البصرة من قِبل إيران لسنتين عام 1775م، ومن هنا انتعشت الكويت وعرفت كميناء بدلاً من البصرة.

بعد ذلك، عرفت الكويت الهجرات النجدية، نتيجة الأحوال المضطربة وللمجاعات التي حدثت، ويذكر جي ج لوريمرن، الذي أعد دليل الخليج، وهو يذكر مدينة الكويت ويقول: «إن في المدينة عام 1906م أكثر من مئة عائلة من الزلفي، من المهاجرين ويقدر عددهم بأكثر من 500 فرد»، وعندما ذكر المهاجرين يقصد المهاجرين النجديين من الزلفي والقصيم الأغلب، وعندما يصفهم بالمهاجرين هذا يعني بلا شك استقرارهم في حي المرقاب، وقد يكون استقرارهم قد أخذ عقداً أو ثلاثة عقود، وقدمت جماعات أخرى من الاحساء والبحارنة الذين كان لهم دور كبير في صناعة السفن وازدهارها، ولا ننسى قدوم جماعات عرب وفُرس من بر فارس وإيران، وفي الخمسينات وقبله فُتحت فرص عمل كثيرة هنا حيث قدم الكثير من ابناء البادية للكويت، وهنا تم صنع نسيج المجتمع الكويتي وهويته.

حالياً في زمن «التواصل الاجتماعي» رغم سلبياتها أصبحت شعوب منطقة الخليج تتقارب وتعرف بعضها أكثر فأكثر، وأصبحت الهويات واللهجات تتداخل، حيث دخلت على لهجتنا كلمات من اللهجات السعودية وكلمات من اللهجة الكويتية انتقلت إلى شعوب خليجية، وأطرف ما سمعت أن أباً سعودياً يشكو من أن ابنته الصغيرة أصبحت تتكلم «كويتي»، وآباء كويتيون يستغربون أن أولادهم يستخدمون كلمات من اللهجات الخليجية، حتى هويتنا بالملبس تغيرت، ففي السابق الكويتي يعرف بالدشداشة والغترة والعقال، ولكن هذه الأيام تدخل أحد المولات وتجد معظم الشباب لبسهم «افرنجي»، والكويتيات هجرن زي الجدات.

وروى لنا أبو صالح، في إحدى الديوانيات أنه كان مع صبية صغار يجلسون على رمال السيف في بداية الخمسينات، إلا وجاء لهم شاب قال إنه سافر مع جماعة إلى لندن، وحكى لهم أن الإنكليز «ما يأكلون عيش!»، وأنه شاهد بعينه في لندن حريماً يجلسن في القهاوي، يقول كذبناه وقلنا له: «كذاب وألف كذاب... ما يأكلون عيش وحريم يجلسن في القهاوي أكيد هذولا مو حريم» وزعل ومشى.

تلك حكاية سمعتها من أبوصالح، وسمعت حكاية حدثت في السبعينات عن كويتي متزوج من أميركية، وحدث أن شاهد أحد افراد عائلته الزوجة تجلس في قهوة مع أولادها، وهنا وصل الخبر لعائلته الذين لاموه كيف يترك زوجته تجلس في القهاوي والمطاعم، حيث هذا ليس من عاداتنا الكويتية، لكن في أيامنا هذه تغير الزمن فالكويتية التي لا تجلس في قهوة أو كافيه يقولون عنها مُعقدة!

لهذا، علينا ان نُخالف من يُبالغ ويدعي أن هوية الكويتي ثابتة ولهجته ثابتة، لأن الأمم الحية هي التي تتغير هوياتها ولهجتها وهذه سنة الحياة، وكذلك ألوم بعض كتّاب المقالات وبعضهم مَن يحمل شهادات عليا في القانون وغيره من تخصصات ويروجون للأسف مقولة إن الكويتي الأصلي هو مَن أهله في الكويت قبل عام 1920م، بينما مَن حصل على الجنسية بالتجنس في الستينات وبعد سنوات تلتها، هو كويتي منقوص الهوية، ويفترض أن لا حق لأولاده ولا أحفاده للأبد المُشاركة في الحياة السياسية لا ترشيحاً ولا تصويتاً!

لهذا، علينا ان نعي اننا في عصر المجتمعات فيه تقاربت والهويات تشابهت وهويتنا الكويتية كذلك.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي