No Script

ربع قرن على غياب الحسين

تصغير
تكبير

قبل ربع قرن، غاب الملك حسين بن طلال. في مثل هذه الأيام التي سبقت الإعلان رسمياً عن وفاته في السابع من فبراير 1999، كان الحسين يعدّ للمرحلة الجديدة التي دخلتها المملكة عن طريق الملك عبدالله الثاني الذي صار، بموجب إرادة ملكيّة وليّاً للعهد بدل الأمير الحسن شقيق الملك الراحل.

أراد الملك حسين بكل بساطة، وهو على فراش الموت، رسم الخطوط العريضة لملامح الأردن في مرحلة ما بعد غيابه عبر تأكيد أنّه دولة مؤسسات بالفعل.

بقي الحسين يفكّر في كيفية المحافظة على الأردن، حتّى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. لا يعني ذلك أي انتقاص من قدرات الأمير الحسن الذي بقي وليّاً للعهد طوال 35 عاما، بمقدار ما يعني أن الراحل الكبير كان يعرف ما ينتظر الأردن وطبيعة التحديات التي ستواجهها المملكة والحاجة إلى ملك شاب يمتلك حيويّة ويعرف العالم والمنطقة عن ظهر قلب.

صعد الملك حسين إلى العرش في العام 1952 وكان لا يزال في سن السابعة عشرة. واجه كلّ أنواع التحديات والمؤامرات، بما في ذلك الحملات التي شنها جمال عبدالناصر عليه، وهي حملات إرتدت في معظم الأحيان طابعاً شخصيّاً يكشف طبيعة ناصر وريفيته. واجه الحسين الانقلاب الدموي في العراق الذي قضى عملياً على أي مستقبل أفضل للعراق بعدما تسلّمه العسكر ثم حزب البعث ثمّ العائلة (عائلة صدّام حسين) تمهيداً لوصوله إلى ما وصل إليه اليوم من بؤس داخلي من جهة وتبعية لإيران من جهة أخرى.

في الرابع عشر من يوليو 1958، وقع انقلاب عسكري في بغداد شهد مقتل معظم أفراد العائلة الهاشميّة من بينهم الملك فيصل الثاني ابن عمّ الحسين والأمير عبدالإله الوصيّ على العرش، الذي كان العاهل الأردني الراحل يدرك أنّه لم يكن في مستوى المسؤولية التي يتولاها.

بفضل الملك حسين والمجموعة التي أحاطت به، صمد الأردن واستطاع تجاوز الصعوبات، بما في ذلك محاولة المجموعات الفلسطينية المسلّحة التي لجأت إليه قلب نظام الحكم في سبتمبر 1970.

أنقذ الملك حسين الفلسطينيين من انفسهم ومن الشعارات الفارغة التي رفعوها في مرحلة معيّنة معيّنة في المدن والمناطق الأردنية المختلفة. كان بين تلك الشعارات «كلّ السلطة للجماهير» و«طريق القدس تمرّ في عمّان».

باختصار شديد، قطع الأردن الطريق على حل «الوطن البديل» الذي نادى به وما زال ينادي به اليمين الإسرائيلي إلى يومنا هذا...

طوال 47 على عرش الأردن، تميّز الحسين بن طلال، على خلاف آخرين من الحكّام العرب، برفض تلويث يديه بالدمّ.

رفض حتّى أن يكون لديه تمثال في وسط عمّان. سامح ألدْ أعدائه وعفا عنهم، بمن في ذلك الذين حاولوا اغتياله.

كان هاجسه الأوّل والأخير بناء الدولة. نجح في ذلك إلى حدّ كبير، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار السلاسة التي مرّت بها عملية انتقال العرش إلى ابنه الأكبر عبدالله في ظروف إقليمية غاية في التعقيد، خصوصاً أن ذلك جاء في وقت كان بشّار الأسد يستعد لخلافة والده في سورية.

حدث ذلك في منتصف العام 2000، وهو حدث ترافق مع زيادة النفوذ الإيراني في سورية وتحول هذا البلد إلى مصنع للمخدرات وممر لتهريب السلاح إلى الأردن، كما الحال الآن.

صنع الملك حسين دولة حديثة من لا شيء تقريباً. عرف عبدالله الثاني كيف الحفاظ على الدولة ومؤسساتها وعلى تطويرها.

استوعب الأردن موجات هجرة الفلسطينيين من الكويت بعد المغامرة المجنونة لصدّام حسين في العام 1990 وبعد الموقف الخاطئ الذي اعتمده ياسر عرفات وقتذاك. استطاع أيضاً استيعاب موجة هجرة من العراق وأخرى من سورية.

كلام كثير يمكن قوله عن رجل استثنائي، لم يشهد الشرق الأوسط، الذي قام على انقاض الدولة العثمانيّة، مثيلاً له. يكفي أنّه نقل الأردن من الحلقة الضعيفة في المنطقة إلى الحلقة القويّة فيها. تكفي المقارنة بين الأردن من جهة ووضع العراق وسورية ولبنان من جهة أخرى للتأكّد من ذلك.

لا شكّ أن الحديث عن الملك حسين يفرض الحديث عن خطأين تاريخيين، هما الموقف الأردني من المشاركة الكارثيّة في حرب العام 1967 ومن الاجتياح العراقي للكويت في العام 1990.

كلّف الموقفان الأردن، والحسين شخصياً، الكثير. لكنّ ما لا يمكن تجاهله في الحالتين أن العاهل الأردني الراحل لم يستطع مقاومة الضغط الجماهيري عليه. لم يكن هناك وعي جماهيري أردني لخطورة دخول حرب 1967 التي اسفرت عن خسارة الأردن للضفّة الغربيّة والقدس الشرقية.

كذلك، لم تكن هناك قوّة تقاوم ذلك الإعجاب السائد في الشارعين الأردني والفلسطيني، بجنون صدّام حسين وجهله في السياستين الدولية والإقليمية وموازين القوى.

يضاف إلى ذلك كلّه، شعور الملك حسين بضرورة تفادي أي حرب أقليمية يذهب ضحيتها العراق ورهانه في الوقت ذاته على تسوية مستحيلة في الكويت تؤدي إلى انسحاب عراقي.

في المرتين اللتين تحرّك فيهما تحت ضغط الشارع، خسر الأردن وخسر الملك حسين. لم يربح إلّا عندما قاد الناس، كما فعل في مرات كثيرة، وأخذ المبادرة على غرار ما فعل في خريف العام 1994 عند توقيع المملكة الأردنيّة الهاشمية إتفاق سلام مع إسرائيل في وادي عربة.

وقع الاتفاق من الجانب الإسرائيلي إسحق رابين، رئيس الوزراء وقتذاك، مع الدكتور عبدالسلام المجالي رئيس الوزراء الأردني.

نجد في الظروف الراهنة كم كان الحسين بعيد النظر وكم يشكلّ إتفاق السلام حماية للأردن في وقت تعاني فيه إسرائيل من حال جنون لم يسبق لها أن عاشت مثلها منذ قيامها قبل في العام 1948.

انتقلت الصفات القياديّة من الحسين إلى عبدالله الثاني. يواجه الأردن حالياً تحديات من نوع جديد. الأكيد والثابت أنّ المملكة ليست الحلقة الأضعف في المنطقة، كما يقول السذّج الذين لم يستوعبوا معنى ما بناه الملك حسين طوال سنوات كان فيها على عرش الأردن...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي