علي الرز / الرهينة

تصغير
تكبير

|   علي الرز   |


بعد انتهاء حرب يوليو في لبنان عقدت طاولة حوارية قال خلالها الزعيم وليد جنبلاط لممثلي «حزب الله» انهم الآن الطرف الاقوى بوجود 20 الف صاروخ في حوزتهم وآلاف المقاتلين المدربين وترسانة الاسلحة الضخمة والدعم المفتوح من سورية وايران، فردوا عليه بان الغالبية ايضا لديها 15 الف جندي دولي في جنوب لبنان، فقال: «هؤلاء رهائن لدى المشروع الاقليمي، وتستطيعون ان تعيدوهم الى بلادهم في 24 ساعة».

مشى الحضور الدولي الى لبنان بخطى متعثرة مترددة بطيئة، فالتجارب ليست مشجعة على الاطلاق في ضوء ما حصل قبل ثلاثة عقود. خطف ورهائن وتفجير واغتيال باسماء منظمات موجودة وغير موجودة. حضور دولي مهزوم مهما حقق من اهداف صغيرة لانه يغوص في رمال خارج ارضه من جهة ويواجه طرفا يحاربه خارج ارضه من جهة اخرى. والجميع يذكر كيف ان «المصالح الواقعية» دفعت دولا اوروبية الى اعادة العلاقات مع سورية بعد حادثة نزار الهنداوي وغيرها، لان الرهينة الاجنبي كان يخطف في لبنان و... يتحرر في دمشق.

معادلة في غاية البساطة والقساوة. فالجندي الاجنبي في لبنان (الى جانب المصالح الدولية لبلده) هو قيمة سياسية مهمة وعنصر اساسي في حركة سلطة متغيرة متجددة تلعب حقوق الانسان دورا كبيرا في بلورتها، لكنه في الوقت نفسه ورقة ابتزاز مهمة لاطراف اقليمية تدرك تماما ان سياسة حافة الهاوية تزيد من حصارها لكنها تؤذي السلطة في الدولة الاجنبية التي وافقت على ارسال الجنود خصوصا اذا حصلت المواجهة على ارض اخرى وربما من خلال قوى محلية. فهذا النوع من المواجهات لا يلعب دورا كبيرا في حركة السلطة اقليميا حيث لا رأي عام يراقب ولا مؤسسات سياسية تحاسب ولا تداول اساسا للسلطة، ولا يلعب ايضا، وتحديدا في ظل الظروف الدولية الراهنة، دورا حاسما على صعيد «تغيير السلوك» لغياب الاتفاق الدولي على خطوات جذرية تقضي بالذهاب في المواجهة الى الحدود القصوى.

معادلة في غاية البساطة والقساوة، ولا بأس من العودة سريعا الى اللقاءات المعلنة والسرية التي اجراها مسؤولون اوروبيون مع دمشق واطراف لبنانية قبل الموافقة على ارسال جنود في اطار قوة «يونيفيل» بعد حرب يوليو للحصول على نوع من الضمانة قبل الاقدام على «مغامرة» كهذه (كما كتبت صحف ايطالية)، ولا بأس ايضا من العودة بتمعن الى العملية التي استهدفت الجنود الاسبان قبل اشهر في جنوب لبنان وانتجت «سياسيا» وصول وزير خارجية اسبانيا الى دمشق سريعا وبداية مرونة «الترويكا» الاوروبية تجاه العلاقة مع سورية.

 هذه المعادلة تفرغ ايضا المبادرة العربية (ولو كانت مدعومة دوليا) من اي فعالية، فالمواجهة في مكان آخر والعرب ليسوا العنصر الحاسم والوازن بين محور اقليمي (سورية – ايران – اطراف في السلطة العراقية - اطراف فلسطينية- اطراف لبنانية) يمتلك مشروعا كبيرا وواضحا وبين محور دولي يمتلك مشروعا لا اجماع عليه ومبادئ عامة وشعارات متعثرة واوراق تقبل حدا ادنى من المساومة لمصلحة اولويات اخرى. من هنا كان التلويح او التهديد بتدويل المسألة اللبنانية اذا فشلت المبادرة العربية امرا لا يثير قلق المحور الاقليمي الذي يعتبر نفسه في مواجهة التدويل منذ فترة طويلة، بل هو يفضل استدراج التدويل الى مناطق ساهم في اضعاف استقرارها لتسهيل «انهاك المشروع الاميركي» وهو عنوان الاستراتيجية التي اتفقت سورية وايران على التمسك بها بعد احتلال بغداد عام 2003 مهما كلف ذلك من اثمان.

الكاتيوشا التي انطلقت (باسم أي ابوعدس) قبل ايام على اسرائيل رسالة «تحذيرية» للتحرك العربي. ضرب قوات الامم المتحدة قرب صيدا (باسم أي ابو عدس) رسالة «ترحيبية» بنقل المقررات العربية من القاهرة الى نيويورك. محاولة اغتيال ديبلوماسي اميركي (باسم أي ابو عدس) رسالة عنوانها «يا اهلا بالمعارك» وتفريغا للتهديد بالتدويل من مضمونه عبر التقدم بالمواجهة الى منطقة الاستفزاز والاستهداف المباشر. العمليات المقبلة (باسم أي ابو عدس) حتى الانتخابات المقبلة رسائل «دموية» لمن اعتقد ان لبنان – الدولة سيحل محل لبنان – الساحة.

واصعب ما في المعادلة على الاطلاق صورة بعض اللبنانيين فيها.

لبنان كله رهينة يا وليد بك وليس اليونيفيل فحسب. والمنطقة كلها رهينة وليس لبنان فحسب.


Alirooz@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي