في أول يوم من سنة 2024م، كان أول ما فعلته هو قراءة كتاب «جنة العبيط» للدكتور زكي نجيب محمود، رحمه الله، وهو كتاب أهداني أياه الصديق المعماري والشاعر خالد الفالح، بتاريخ 9 /1 /2021، عندما كنا جلوساً في مقهى «الرواء» الذي يطل على مفترق طرق.
وعندما دخلت جنة العبيط، كان أول معلم قابلني هو «أدب المقالة» أو شروط المقالة الأدبية كما وصفها الكاتب.
ود. زكي نجيب، وهو بذلك متأثراً بالإنكليز، يشترط في المقالة الأدبية أن تكون ناقمة نقمة خفيفة يشيع فيها لون باهت من التفكه الجميل، كذلك أن تكون على غير منطق مدرسي، أي ليست للتعليم أو الوعظ، ويعتقد أن المقالة الأدبية يجب أن تكون أقرب للحديث والسمر منها للتعليم والتلقين وأن يكون أسلوبها عذباً سلساً دفاقاً.
وربما من الأفكار المهمة أيضاً التي ذكرها الكاتب أنه لا يجوز أن تبحث المقالة الأدبية في موضوع مجرد، مثل العدالة أو الجمال أو قواعد علم النفس والتربية، بل يجب أن تعبر عن تجربة معينة مست نفس الأديب فأراد أن ينقل الأثر إلى نفوس القراء.
أما أهم ما أشار له الكاتب في نهاية مقاله، فهو أن المقالة الأدبية لا بد أن تكون نقداً ساخراً لصورة من صور الحياة والأدب، وهدماً لما يتشبث به الناس على أنه مُثل عليا، وما هو إلا صنم تخلف في تراث الأولين.
ورغم أهمية هذه النصائح التي يقدمها د. زكي نجيب، إلا أني أعتقد أن أهم نصيحة في المقالة الأدبية هي أن تكتبها بعيداً عن كل نصائح من يكتبونها، أكتب أولاً وسيتكفل النقاد فيما بعد بتصنيفها وربما يخرجون بمدرسة جديدة متأثرين بوعي الفرنسيين أو الألمان.
أيضاً من النصوص الجيدة التي وقفت عليها عند الكاتب هذا النص:
يتميز البرتقال عن سائر ألوان الفاكهة أن لونه بهجة للعين ورائحته متعة للأنف، ولذة للذوق بطعمه، وراحة للأيدي حين تديرها وتدحرجها.
لها قشرة تحميها السوء والجراثيم، كما أن الفلاح الماهر منذ زمن بعيد استخدم قشرتها في الطبخ والطعام.
البرتقالة أصدق من التفاحة، فإن العطب والسوء يبدأ من خارجها وليس داخلها، فإن وجدت قشور البرتقالة سليمة فكن على يقين جازم بأن لبابها سليم كذلك، فهي أمينة صريحة صادقة، لا تخفي بسلامة ظاهرها خبث باطنها،على عكس التفاح الذي يبدو لك سليماً من الخارج ولامعاً نظراً بينما الدود ينخر في داخله ويحمل ما يحمل من الفساد والعطب.
ورغم كل ذلك فالبرتقال أرخص من التفاح.
عزيزي القارئ، جنة العبيط - كما فهمت من الكتاب- هي المساحة التي يجد الهارب من واقعه فيها نفسه، ليبني عالماً متخيلاً بعيداً عن الفعل الاجتماعي وأثره... المهم أن يعيش الكاتب في جنته، حتى لو كان عبيطاً بهذه المساحة. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
moh1alatwan@