No Script

حروف نيرة

محو الأمية أعظم رحلة تعليمية

تصغير
تكبير

الجهل كالمرض يؤذي صاحبه؛ فهو داء يحتاج دواءً، وذلك بأخذ العلم لينير الذهن، وبالعزيمة والصبر تبدأ بأول وأعظم خطوة وهي القراءة والكتابة، وأهم دور في أخذ العلم رغبة الشخص نفسه في ذلك، لا بالضغط عليه، وعلى كل متعلم أن يثق في قدراته، ولا يشعر بالنقص، وأن يكون له هدف لا غنى عنه، كالذي يرغب في الاعتماد على نفسه في كتابة ما يريد، واختيار ما يقرأ، بلا مساعدة أو طلب من أحد.

مع اليقين ان العمر كله يناسب التعلم، وليس من سنّ محددة ليتعلّم الإنسان معارفَ جديدةً؛ فلا نتعجب مِن الذي يدرب نفسه على ذلك رغم كبر سنه كالشيخ والعجوز، كما في المثل الذي يقول: بعد ما شاب، وَدّوه الكُتّاب! فهو تعجب من الذي خط الشيب رأسه، عندما ذهب لمكان طلب العلم وهو ما يطلق عليه الكُتّاب في القرى، واليوم هي مدارس ومراكز تعليمية لمحو الأمية.

المثل الشعبي تدور أحداثه في قرية ريفية عن فلاحة كبيرة العمر لا تعرف القراءة ولا الكتابة، سافر ابنها للدراسة، وكان يتواصل معها بالرسائل فتذهب إلى معلم القرية لكي يقرأ لها الرسائل، وذات مرة استلمت الأم رسالة من ابنها، فكانت تحتضنها وتبكي بحرقة شديدة من شدة فرحتها بوصول الرسالة، ولما رأتها جارتها ظنت أن الأم تعلمت القراءة والكتابة على كبر وبطريقة مفاجئة! وقالت المثل الشهير: بعد ما شاب ودوه الكتّاب!

من يطلب العلم، لا يستحي من شيخوخته ولا يستحي من مكانته، ولا يجد في ذلك صعوبة ولا حرجاً.

من الأقوال المشهورة في ذلك: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، أي من النشأة إلى الممات، ولهذا كان أئمة الإسلام إذا قيل لأحدهم: إلى متى تطلب العلم؟ قال: إلى الممات، ومنهم من كان يطلب العلم وهو على فراش الموت، وعن الإمام أحمد بن حنبل قوله: إنما أطلب العلم إلى أن أدخل القبر، وسُئل الحسن عن رجل له ثمانون سنة: أيحسن أن يطلب العلم؟ قال: إن كان يحسن به أن يعيش.

نماذج وقصص كثيرة بينت االتفوق العلمي للكبير والشاب وكل أمي بصورة عامة، كعجوز تخطّت التسعين عاماً لم يمنعها الكبر من طلب العلم حيث كانت أمنيتها قراءة القرآن الكريم، وقررت الاتجاه إلى مركز محو الأمية، حتى أتقنت القراءةَ والكتابة، واستمرت في التعلّم، والأجمل أنها شجعت جاراتها المسنّات على التعلم، وبدأت بتعليم بعضهن.

محو الأمية وتعليم القراءة والكتابة يحتاج إلى المكان المريح؛ فالدولة توفر مراكز خاصة تناسب أعمار كبار السن، ولا تجعل الدراسة في مدارس الأطفال، فكثير من كبار يصابون بالإحباط لعدم الراحة ولا يستمرون، كالتي حضرت يوماً واحداً فقط وانسحبت من شدة الألم الذي أصابها من كرسي الأطفال، واللاتي يحملن الكراسي من بيوتهن، ودور مهم آخر وأساسي وهو اختيار الإدارة للمعلم؛ فيجب تعليم الأميين على يد المتخصصين وكبار قراء القرآن الكريم، وأهل الخبرة في مجال اللغة العربية، وليس المعلم المبتدِئ، مع الحرص على إعطاء العلم بالتدرج، ومع فئة قليلة من طلبة العلم ليزيد تركيزهم؛ فيكون توزيعهم بشكل مجموعات، فضلاً عن الإشراف على تنظيم الأوقات وتوفير كل أسباب الراحة، ولعل كل متعلم يستمر، ويظل في رحلته التعليمية، فهي أجلّ وأعظم رحلة في الحياة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي