إن من أهم الأسباب التي تجعل الإنسان في سعادة... حينما ينجح في التصالح مع نفسه، والقرب منها، والتفاهم مع مشاعرها، وتقبّل ما يحيط بها من تقلبات حياتية.
وإن نجح الإنسان في أن يتصالح مع نفسه، فإنه سينجح كذلك في صُحبتها، عندها ستحلّ الرحمة والمودّة في كل جوارحه، وسيجد أنه قد شغف بأفعال الخير، والبعد عن الشرّ أينما حلّ.
فصحبة النفس، تقينا القلق والتوتر، وتدفعنا إلى الطمأنينة، وتمنحنا الراحة، مهما كانت الظروف المحيطة بنا، ومهما ضاقت علينا الحياة أو اتسعت.
فإنك ستجد في صحبة النفس، القرب من الله عز وجلّ، من خلال الابتعاد عن كل ما نهانا عنه، وما أمرنا أن نتجنبه، والاقتراب من الأفعال والأعمال التي تتسم بالخير والحب.
فإنك لن تجد أبداً إنساناً متصالحاً ومصاحباً نفسه، يسعى في طريق الشر والنفاق وأذية خلق الله، والمضي في طرقات كلها متاهات، حيث إن مصاحبة النفس معناها، أنك رفيق لها لا تغضبها بالمعاصي.
والقرآن الكريم، ذكر لنا ثلاث أنفس، الأولى النفس «الأمّارة بالسوء»، ولقد ذكرت هذه النفس في سورة يوسف: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ».
ثم «النفس المطمئنّة»، وقد ذكرت في سورة الفجر: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي».
والنفس الثالثة «اللوّامة» وهي مذكورة في سورة القيامة: «لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ».
وحينما تتمكّن من مصاحبة نفسك والتصالح معها... ففي أي حال ستكون، الأمارة بالسوء أم المطمئنة أم اللوّامة؟، بكل تأكيد ستحلّ في نفسك الطمأنينة، وستكون في حالة من الانسجام مع الذات، لأنك تسعى إلى الخير، الذي يجعل حياتك في استقرار نفسي.
وإن كنت في غير انسجام مع نفسك، فإنك في هذه الحالة لن ترضى عن أفعالك، وستعيش يومك في قلق وتوتر، ولن تنعم بمحبة الناس وتقديرهم، عندها ستكون نفسك أمّارة بالسوء، تدفعك إلى الشرّ، لأنها لا ترتبط معك برباط الصحبة.
وبين النفسين «الأمارة بالسوء»، و«المطمئنة»، هناك النفس «اللوامة»، التي تلومك على فعل الشرّ إن كانت مطمئنة، وتلومك على فعل الخير إن كانت أمّارة بالسوء.
وأخيراً... أقول إن الله عز وجلّ خلقنا لنعبده، «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ». (الذاريات: 56)، ولن تأتي العبادة الحقّة إلا للنفس التي اطمأنت لإرادة الله، ورضيت بقضائه وقدره.
ومن الواجب علينا أن نلتقي بأنفسنا بين كل فترة وأخرى، كي نتحاسب ونحصي ما بدر منا من خير نتمسك به، وشر نتجنبه، وبالتالي نتمكن من تصحيح المسار لنمضي في الطرقات التي تحقق لنا الطمأنينة والسعادة.
ومضة أخيرة
اللهم اجعلني أحبّك بقلبي كله، وأرضيك بجهدي كله.
اللهم اجعل حبّي لك كله، وسعيي كله في مرضاتك.
اللهم ما زويت عني ممّا أحبه فاجعله قوّة لي فيما تحبّه، واجعلني لك كما تحبّ.
اللهم املأ قلبي بحبّك وحبّ من يحبّك.