حرب إسرائيل ضد الشعوب... تغير تكتيكات الاشتباك
23 نوفمبر 2023
10:00 م
211
عندما كان الكيان الصهيوني يواجه بعض الحكومات العربية في حروبه الباردة والساخنة كان يعتمد أساليب موجهة ضد سلطات لها نخبها وأيديولوجياتها ومراكز قوى تقليدية وشبكات لمصالح اقتصادية مع نخب سياسية عالمية ومحلية.
لذلك، اتخذ الكيان الصهيوني سلاح الاستخبارات وتجنيد العملاء علاوة على تبني إستراتيجية الهجوم المباغت والرد الرادع ضد تلك الحكومات ونخبها الحاكمة.
منذ 17 ساعة
ولأنها كانت تفتقد إلى الرصيد الشعبي في مقابل مصالح الكرسي، كان نصيب تلك الحكومات الهزائم المتكررة والرضوخ للشروط وقبول الوضع القائم الذي فرضته قوة الاحتلال ومن خلفها القوى الدولية المتحالفة معها.
وللانصاف ففي تلك الفترة، ربما كان الاستثناء من بعض ذلك هما الزعيم جمال عبدالناصر، والملك فيصل، (رحمهما الله)، اللذان تمت تصفيتهما سياسياً وعسكرياً وجسدياً أمراً مهماً للكيان الصهيوني وعصائبه العربية والغربية.
في الوقت الراهن، أو لنقول منذ انتهاء عصر الحروب النظامية بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، دخلت إسرائيل حروبها مع بعض الجماعات أو الاحزاب العربية مثل «حماس» و«حزب الله» وحركة الجهاد الإسلامي وغيرها، ولكنها لم تحقق الانتصار كما حققته في مواجهاتها مع بعض الأنظمة العربية القوية خصوصاً مصر وسورية والأردن التي ساندتها جيوش عربية أخرى (!) لماذا؟ سؤال محوري ومهم قد لعب في رؤوس الساسة الصهاينة خصوصاً رئيس الوزراء الأسبق شمعون بيريز، ومن أعقبه، ناهيك عن بعض المخططين والمختصين في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية.
بيريز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد» قد صرح بمخاطر تنامي الحركات الإسلامية المقاومة التي تهدد إسرائيل والكثير من الأنظمة العربية أيضاً، حسب رأيه.
وبالتالي، كان يرى أن التعاون في المرحلة المقبلة، ومن أجل شرق أوسط جديد، لابد من وضع آليات للتعاون الأمني والسياسي ضد مخاطر هذه الحركات.
لم يكن بيريز وحده الذي تبنّي هذا الرأي بل دفع به العديد من الصهاينة من داخل وخارج الكيان الغاصب.
الإستراتيجية الصهيونية إزاء تصاعد ما يطلق عليه «بالارهاب الإسلامي الشعبي» نسجت بناء على بنات أفكار بعض المستشرقين الموالين للصهيونية وعلى رأسهم برنارد لويس ودانيل بايبس.
لويس، المعروف بازدرائه للإسلام والمسلمين ووصفهم بالفوضوية والإرهابيين، واعتباره الإسلام دين عنف، دعا في أكثر من مرة إلى إقامة علاقات وطيدة مع بعض الأنظمة العربية بشكل يستهدف كل أطياف المعارضة للكيان الغاصب.
كما حدد خطوات عملية لهذه الإستراتيجية تقوم على التفتيت وزرع الفتن بين المذاهب الإسلامية وبناء الحواجز الدموية والفكرية بينهم كي ينشغلوا في ما بينهم بعيداً عن التهديد لأمن إسرائيل.
وعلى الجهة الأخرى المحاذية، يدعو دانيل بايبس، الصهيوني الليكودي، مزدوج الجنسية الإسرائيلية والأميركية في كتبه العديدة ومنها «في سبيل الله: الإسلام والقوة السياسية»، إلى إيجاد حفر الفتن بين المسلمين خصوصاً الحركات الإسلامية والقومية من أجل إشغالها بنفسها وتشويه صورة الإسلام وتكفير الناس بالشعارات المناهضة لإسرائيل.
وهو بذلك لا يخرج عما دعا إليه ديفيد جوباتز، في كتابه «المافيا المسلمة» حيث وصف المنتديات الإسلامية حتى المتواجدة في أميركا مثل مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية بأنها من شبكات المافيا.
ووفقا لمركز التقدم الأميركي فإن هناك مجموعات من النخب والأثرياء يقومون بتمويل مشروع الخوف من الإسلام «إسلامفوبيا» في المجتمع الأميركي، وقد أكد المركز على أن هذه الجماعات قد مولت بعض المراكز البحثية بما يزيد على 42 مليون دولار لتعزيز الكراهية ضد المسلمين.
بهذا الزخم الإعلامي والفكري والثقافي تريد إسرائيل أن يكون التكتيك في مواجهة حركات المقاومة ضدها بشكل جديد يقوم أساساً على إستراتيجية «حرب الأفكار» بالدرجة الأولى.
ومن ضمن هذه الإستراتيجية تنحدر تكتيكات زرع الفتن والمشاحنات الفئوية والطائفية وعدم الثقة وتفتيت المجتمعات وتشويه الإسلام.
كل ذلك يجري من خلال إيجاد جماعات متطرقة مثل «داعش وبوكوحرام» وغيرها من حركات مشبوهة متطرفة وانتهازية ترفع شعارات إسلامية والإسلام منهم براء.
ولا شك من أن تجليات تلك التكتيكات هو إيجاد منصات إلكترونية تعمل على زرع الفتن بين الشعوب العربية والإسلامية ما يجعلها تنصبُ فخوخاً لبعض الجهات والمتعصبين ومؤيدي الشهرة السريعة كي يظهروا بالعلن لزيادة وقود هذه المعارك بين العرب والمسلمين.
وعلى النحو، فإن أخطر ما تواجهه هذه «الإستراتيجية التفتيتية» التي تعكف على إنتاجها مختبرات ومخابرات الكيان الصهيوني وأدواته هو خطر تحالف الشعوب العربية والإسلامية ووحدتها.
إن وحدة الشعوب ضد الانتهاكات العنصرية الصهيونية بشكل عام ووحدة الشعوب الإسلامية والعربية بشكل خاص هي الخطر الحقيقي الذي يداهم الدولة العبرية القائمة على أساس ديني وعنصري بغيض.
في سياق هذه الإستراتيجية التفتيتية يقوم الكيان الصهيوني بتعاملات استخباراتية وأمنية عميقة مؤداها على النحو التالي:
أولاً: اغتيال مفاصل القيادات المناهضة له.
ثانياً: تصفية العقول الذكية والمستقلة عن الهيمنة السياسية، دس عناصر الفتنة وخلق قيادات بواجهات إسلامية من خلال تغذيتها بلغة تعصبية وممارسات عنف ضد المسلمين والنساء والأطفال والواجهات الحضارية.
ثالثاً: نسج خيوط التعاون الأمني مع بعض الأجهزة الاستخباراتية في دول في المحيط الإقليمي والدولي لمحاصرة الامتداد لهذه الحركات المناهضة واتخاذ إجراءات تعسفية ضدها علاوة على تشويه سمعتها ورسمها بالإرهاب.
رابعاً: إقناع بعض الحكومات العربية والإسلامية بخطورة هذه الحركات والتيارات من أجل إيقاع نار الصراع بينها ونقل المعركة في دارها.
خامساً: إشعال فتيل المعارك الإلكترونية في وسائل التواصل وبث الإشاعات وإنصاف الحقائق لإشغال الجمهور بفتن طائفية وفئوية، ولزيادة حدة الاقتتال والصراع وأشكال العنف بينها.
سادساً: محاصرة العمل الخيري بشكل عام بالشكوك والاتهامات الخطيرة من خلال توظيف المؤسسات المالية الكبرى في هذا الاتجاه.
سابعا: خلق جيل جديد من خلال إبراز شخصيات «التوافه» لكي يكونوا قدوة لهم، وهو ما يسهل اختراق جهاز المناعة القيمي والأخلاقي والثقافي للمجتمعات العربية والإسلامية.
ثامناً: تمويل بعض مراكز الفكر والدراسات للقيام بدراسات موضوعية وميدانية لإثبات فرضيات الخطر الإسلامي والعربي، وتفنيد أي توجه ديموقراطي على اعتبار أن الديموقراطية لا تصلح للمسلمين والعرب.
تاسعاً: ممارسة الابتزاز ضد كل من يناهض سياسة الكيان الصهيوني، وذلك من خلال المحاصرة التجارية والمالية، أو التجسس والتصوير للحياة الخاصة ونشرها، علاوة على تشويه السمعة وإسقاط للمصداقية.
عاشراً: وسم أي مناهض للاحتلال الصهيوني بأنه مناصر للإرهاب ومُعادٍ للسامية، ومتعاطف مع الحركات التي تنعتها بالإرهابية، وذلك في سياق ممارسة سياسة «القولبة» والتصنيف من أجل التضييق وممارسة الإرهاب الفكري عليهم.
إنها حرب جديدة، بتكتيكات جديدة، وعلى الرغم من عدم قدرة الكيان وفشله في المواجهات التي تمت إلا أنه مع الأسف قد نجح الكيان في تطبيق بعض منها، خاصة في ما نراه اليوم من قيام البعض في تخوين للمقاومين للظلم والاحتلال، وإثارة النعرات الطائفية، وخلق قيادات إسلامية متعصبة، بالإضافة إلى تصنيع نماذج من توافه «السوشيال ميديا».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي