أثناء عملي كمهندس في إدارة الإنشاءات التابعة لبلدية الكويت، تعاملت مع العديد من مهندسي الشركات التي كانت متعاقدة مع البلدية. وضمن حواراتي معهم، كنت أوجّه إليهم أسئلة حول عناصر ومعايير احتساب قيمة العطاءات في المناقصات الحكومية. وكان من بين الأمور المشتركة في أجوبتهم أمران: سلامة وكمال العقد، واستقامة وجدارة مشرفي الجهة الحكومية.
فمن جانب، الأخطاء والفراغات الفنية والقانونية في العقد تخفّض مبلغ العطاء، لأن تنفيذ هذا العقد غالباً يستوجب أوامر تغييرية بربحية عالية.
ومن جانب آخر، فساد وجهل المشرفين قد تزيد أو تخفّض قيمة العطاء، لأن الفساد عادة مرتبط بدفع رشاوى لدرء تعسّف المشرفين أو لاختلاق أوامر تغييرية مربحة للمقاول، وكذلك الجهل قد يؤدّي إلى الإفراط أو التفريط في المهام الرقابية والإشرافية.
الشاهد، أن معظم الشركات المرموقة تمتنع عن تقديم عطاءاتها عندما تتطلع على شوائب في العقود أو في الجهات المشرفة على العقود، وفي مقابلها الكثير من الشركات المغمورة تسارع إلى تقديم عطاءاتها بأسعار دون التكلفة وبنوايا مضمورة لاستغلال الشوائب في العقود والجهات، بشتّى الأساليب والطرق ولو من خلال المحاكم. ومن هنا تأتي أهمية الاستعانة الفنية والقانونية بمكاتب استشارية في مرحلة إعداد عقود المشاريع الكبيرة.
هذه الاحتمالات والمخاطر ليست مقتصرة على العقود الحكومية، فنطاقها أوسع بكثير، فيشمل القوانين واللوائح. لذلك، نجد أن الدول المتقدّمة والناشئة (Developed and Emerging Countries) تحرص على تحليل وتقييم الآثار المحتملة لإقرار مشاريع القوانين قبل تداولها في بيوت التشريع.
وهذا التحليل والتقييم للآثار المحتملة مقارب لما طالب به نائبان أو ثلاثة عند مداولة قانون تأسيس شركات إنشاء مدن أو مناطق سكنية وتنميتها اقتصادياً في مجلس 2020. ولكن المجلس لم يستجب للطلب، بل ان الطلب لم يقدّم أساساً عند مداولة القانون ذاته في المجلس الحالي.
بعيداً عن الأسباب التي دفعت المجلس الحالي إلى استعجال إقرار القانون، بصورة نهائية متناقضة مع الهدف الأساس للقانون، وهو معالجة أثر التحديات المالية التي تواجهها دولة الكويت على قدرتها في توفير السكن الكريم للمواطنين على المدى المنظور.
حيث أضيفت في المراحل الأخيرة مادة (4) إلى مشروع القانون تجيز تحميل خزانة الدولة نسبة – من غير تحديد سقف لها – من تكلفة إنشاء وإنجاز البنية الأساسية والمباني العامة ووحدات الرعاية السكنية. بعيداً عن كل حيثيات تشريعه، هذا القانون – بصيغته المنشورة في الجريدة الرسمية وفي بيئة الأعمال السائدة وفي ظل الثقافة السياسية الحالية – قد ينتهي بكوارث تحمّل خزانة الدولة مبالغ مهولة مثل تلك التي تحمّلتها بسبب إلغاء الشراكة مع شركة «داو كيميكال».
بغض النظر عن نسبة إمكانية حدوث الكوارث المالية – صغيرة كانت أو كبيرة – وعن نتائج دراسات الجدوى الاقتصادية الإلزامية – إيجابية كانت أو سلبية – علينا كدولة اللجوء إلى الخيارات الأكثر رشداً خصوصاً في ظل التحديات المالية الجارية. ومن بين هذه الخيارات، قد يكون الأمثل محتضناً في الاقتراح بقانون الذي تقدّم به ثلاث مرّات النائب شعيب المويزري – منذ مجلس 2020 – بمعيّة شركائه في الاقتراح بقانون – مرتين منذ المجلس المبطل الثالث – النوّاب عبدالله فهاد وأسامة الزيد وسعود العصفور وفلاح الهاجري.
وأقصد أن تكون الهيئة العامة للاستثمار هي المستثمر الوحيد في تطبيق قانون تأسيس شركات إنشاء مدن سكنية، وذلك إلى حين بناء القدرات المؤسسية والفردية وتنقيح واستكمال التشريعات اللازمة لفتح الباب أمام مستثمرين آخرين.
لذلك أدعو النوّاب المويزري وشركاءه إلى إعادة تقديم نسخة معدّلة من الاقتراح بقانون المذكور، بالصياغة الحصرية أعلاه، لأنه يحصّن خزانة الدولة من مخاطر مواجهة مستثمرين مفترسين، في معارك قانونية غير مكافئة أو غير عادلة، كتلك التي كانت مع «داو كيميكال».
اللهمّ أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.
[email protected]