الاستجواب المقدم من النائب الفاضل مهلهل المضف، شفاف متماسك وواضح ويدخل ضمن أفضل ما قدم من استجوابات في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية، نموذجي ويمكن أن يكون مرجعاً لكل عضو مبتدئ.
هذا الاستجواب المقدم من النائب مهلهل، دلالة على أن دولة الكويت ولادة برجال الدولة والساسة الذين يعرفون معنى الحياة البرلمانية والممارسة الديموقراطية ويقاتلون كي لا تنحرف إلى مسارات غير محمودة.
اطلعت على الاستجواب ذي المحاور الثلاثة المقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف الصباح، ويمكن اختصار محاوره بالتالي:
- التراجع عن مضامين العهد الجديد
- تخبط السياسات العامة للحكومة
- التهرب من الأسئلة البرلمانية
للوهلة الأولى، يعتقد من يقرأ هذه المحاور أنها عامة غير محددة المعالم ويمكن توجيهها لأي شخص في منصب حكومي، ولكن دعنا نناقش كل محور بكل صراحة ووضوح من دون أن يكون لدينا مواقف مسبقة نسوقها في هذا الاستعراض للمحاور.
المحور الأول: التراجع عن مضامين «العهد الجديد». وهنا اعتبر النائب من خلال هذا الاستجواب أن سمو رئيس مجلس الوزراء تراجع عن ما احتواه خطاب سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح،حفظه الله، نيابة عن سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح،حفظه الله، بتاريخ 22 يونيو 2022.
يلاحظ أن النائب في هذا المحور المتعلق عن التراجع عن مضامين العهد الجديد ركّز على الإصلاح السياسي الذي تضمنه الخطاب، ولكنه ركز على الجانب الذي اعتقد النائب الفاضل أنه القاعدة الأساسية للإصلاح وحصره في تقديم قانون القوائم النسبية للانتخابات. هذا اجتهاد لا يمكن أن يُخطّأ عليه النائب الفاضل، لكن الإصلاح السياسي في الكويت فعلاً بدأ منذ أن أصبحت البطاقة المدنية أساساً لمكان التصويت، وكذلك عدم التدخل في انتخابات الرئاسة.
لكن هناك خطوات أهم يجب أن تكون أساسية لهذا الإصلاح وتمهد له الأرضية الصلبة وهي:
- قانون رد الاعتبار
- العفو العام عن أصحاب الرأي والسياسيين
- قانون هيئة الجنسية
- قانون الإعلام والنشر
يمكن هنا بعدها أن نناقش فكرة القوائم النسبية وكيف يمكن أن نحمي المجتمع من ظهور سلبيات في هذا القانون، وكذلك المساحة الجغرافية لكل قائمة (الكويت دائرة واحدة)، وغيرها من أمور نسد فيها كل عيوب الأنظمة السابقة للانتخابات. إضافة إلى أن هناك وجهات نظر داخل المجلس لها رأي مخالف لهذا المشروع، وما دار من مناقشات الأيام الماضية دليل واضح.
نعود إلى عنوان المحور والمتعلق «بالعهد الجديد»، لا يخفى على الجميع أن الكويت مرت بمراحل عدة من العهود الحاكمة ولم يكن لهذه العهود رؤية تبلغها للشعب عدا الشيخ عبدالله السالم الذي شارك الشعب في حكمه، فالرؤية كانت مشتركة عملية الباقي فكانت اجتهادات من الحكم تصيب مرة وتخطئ مرات.
أما العهد الجديد، فهي المرة الأولى التي يكون هناك رؤية يؤمن بها هذا العهد ويرغب بتحقيقها، فكان خطاب 22 يونيو 2023 خطاباً غيّر الخارطة السياسية وطريقة تعامل الحكم مع الشعب بنظام المشاركة والبيعة والالتزام بالدستور والقوانين، فهي خطوط عامة لا تعني أنها برنامج عمل حكومي يجب على رئيس الحكومة تنفيذه! ما جاء فيه من رؤية، بل عليه خلق الأدوات التي تحقق هذه الرؤية، وهذا فعلاً ما تحاول حكومة سمو الشيخ أحمد النواف عمله خلال الفترة القصيرة التي تقلد بها هذه الرئاسة وبعد أن استقر الوضع السياسي النيابي الحكومي منذ أشهر قليلة.
أعتقد بأن الأمر بحاجة إلى طول بال ودعم بالأفكار وتسريع قوانين الإصلاح السياسي والبعد عن التأزيم في القضايا الجانبية، وعلى رئيس الحكومة أن يوضح صدق نواياه في المضي قدماً في قوانين الإصلاح السياسي بشكل صريح وواضح وحسب الأولويات التي يراها لنجاح هذه المرحلة من تاريخ الكويت السياسي. كما شمل هذا المحور أيضاً جانباً أساسياً في خطاب سمو ولي العهد، وهو تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وهنا علينا أن نكون منصفين، فالنائب مهلهل المضف ألقى اللوم على رئيس الحكومة وحكومته في المماطلة في تحسين الظروف المعيشية وواقع الحال لم يكن هو السبب الوحيد، فدور اللجنة المالية السابقة كان واضحاً في تأخير وتسويف الوقت لمناقشة هذه الأمور، لكن من الواضح أن الأمر مختلف الآن فالتعاون الحكومي النيابي في هذا الجانب يدعو إلى التفاؤل.
المحور الثاني: تخبط السياسات العامة للحكومة. هذا المحور مهم جداً، فمن خلاله يمكن أن يوضح سمو رئيس مجلس الوزراء سياسته العامة في إدارة مجلس الوزراء من الاختيارات إلى المتابعة والمحاسبة. فالعهد الجديد كان شفافاً مع الشعب في توضيح رؤيته، وهذا هو المطلوب الآن بهذا الاستجواب فرصة ليوضح سمو رئيس مجلس الوزراء كيف سينفذ برنامج عمل الحكومة وما هي الأسس التي ستقوم عليها متابعة أعمال الوزراء والمؤسسات الحكومية والمحاسبة لكل مقصر أو غير كفء، خصوصاً أن الحكومة أخذت شرعيتها وشرعية برنامجها في ثلاث مراحل أساسية:
- المرحلة الأولى: القسَم أمام سمو الأمير
- المرحلة الثانية: القسَم أمام مجلس الأمة
- المرحلة الثالثة: قبول برنامج الحكومة من قبل مجلس الأمة
الاستجواب المقدم شكك من خلال معطيات معينة على قدرة الحكومة في تنفيذ برامجها. وعلى سمو رئيس مجلس الوزراء إثبات إمكاناتها وأدواتها التي سيستخدمها للتنفيذ وأسلوب متابعة ومحاسبة الوزراء منفذي هذا البرنامج.
ستكون فرصة لسموه لتوضيح الأمر وإزالة المخاوف لدى النائب والشعب أجمع.
المحور الثالث: التهرب من الإجابة عن الأسئلة والتذرع بعدم دستوريتها.
الاستجواب فرصة لسمو الرئيس للإجابة عن كل الأسئلة وتوضيح الأمور للجميع، لماذا لم تكن هناك إجابة؟ لماذا الإجابة من وزير الدولة وليس منه؟
كما أن قرار سموه تشكيل لجنة لدراسة هذه الأسئلة التي تم الإجابة عنها بعدم الدستورية أمر إيجابي ويمكن أن يوضح سموه أسباب تشكيل هذه اللجنة وكيف سيتعامل مع قراراتها.
فرصة جميلة إذا أخذنا هذا الاستجواب بحسن النوايا وأن مصلحة الكويت وشعبها هي الأساس، سنصل بنهاية المطاف إلى تصور كيف سيدار بلدنا بهذا العهد الجديد.
فالكل يعلم أنه لن يكون هناك طلب عدم تعاون وكذلك أن سمو رئيس مجلس الوزراء لن يجرح من قبل النائب الفاضل مهلهل المضف، لذلك لنستمتع بهذا الاستجواب ولنعرف إلى أين تسير بنا السفينة.
وعلى الخير نلتقي،،،