التردّي في ممارستنا الديموقراطية ما زال متواصلاً بسبب الصراع المستمر بين فريقين سياسيّين. وقد تكون أبرز هذه المحطات الحديثة هي الجلسة التي وافق فيها مجلس 2020، على طلب تأجيل الاستجوابات «المزمع» تقديمها إلى رئيس الوزراء السابق. ورغم أن الفريق الثاني يتهم نوّاب الفريق الأوّل والحكومة آنذاك بالمسؤولية الكاملة عن هذه السقطة النيابية، إلا أن الفريق الثاني شريك معهم في السقطة لأن نوّابه دفعوا الحكومة إلى السقطة بإفراطهم في إساءة استخدام الخيار الدستوري باستجواب رئيسها، الذي كان قد تنازل طوعاً – من باب الفروسية السياسية لكسب ثقة نوّاب الفريق الثاني – عن سوابق نيابية لجأ إليها مراراً رؤساء حكومات سبقوه في مواجهة الإفراط النيابي ذاته.
وقد تكون محطة التردّي الثانية هي التي رُسّخ فيها «المزمع» كسابقة برلمانية، بعد أن وُثّق كقرار في مضبطة جلسة 30 مارس 2021، المصادق عليها. حيث وُثّق في مضابط عدّة جلسات لاحقة وفي صحيفة الاستجواب الثلاثي – الذي قدّمه النوّاب جوهر والعتيبي والساير إلى رئيس الوزراء السابق – وفي نشرات العديد من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، تأكيد نوّاب الفريق الثاني على أن «المزمع» سابقة برلمانية يمكن أن يَستند عليها مستقبلاً «أي» رئيس وزراء أو وزير، ما لم يَقر مجلس الوزراء رسمياً عدم مشروعية طلب «المزمع».
فأحد الأركان الأساس في الاستجواب الثلاثي، الذي تبنّاه الفريق الثاني، كان مساءلة ومحاسبة رئيس الوزراء السابق عن عدم إقرار مجلس الوزراء عدم مشروعية طلب «المزمع»، وليس عن تقديم طلب «المزمع»، لأن الرئيس – في حينه – كان يترأس حكومة جديدة، مختلفة عن تلك التي كان يترأسها عند تقديم طلب «المزمع».
والفريق الثاني، بعد أن وَثّق «المزمع» كسابقة برلمانية في عدد من الوثائق البرلمانية، تجاهل كلّياً أولوية وضرورة إقرار مجلس الوزراء عدم مشروعية طلب «المزمع»، منذ أن ترأس رئيس الوزراء الحالي حكومته الأولى. وهذا التجاهل غريب لكونه انقلاباً مفاجئاً لا يليق بفريق نيابي متوافق مع الحكومة ويمتلك أغلبية كاسحة في المجلس.
وبعد ترسيخ «المزمع» كسابقة برلمانية، يرى مراقبون سياسيّون أن المجلس يسير في طريق سلب الحق الدستوري للنائب بتوجيه أسئلة إلى رئيس الوزراء. فَأغلب النوّاب الذين تصدّوا بشتى الخيارات الإعلامية والنيابية لامتناع رئيس الوزراء السابق عن الرد على عدد من الأسئلة – بحجة عدم دستوريتها – تجاهلوا امتناع رئيس الوزراء الحالي عن الرد على الأسئلة البرلمانية بالحجة ذاتها. واكتفى بعضهم بالإكثار في توجيه الأسئلة إليه، ولكنهم استمروا بالصمت حتى بعد وصول كتب الامتناع عن الرد رسمياً إلى المجلس.
لذلك، يرى هؤلاء المراقبون السياسيون أن الاستجواب الذي أعلن النائب مهلهل المضف عن نيّته تقديمه لمساءلة رئيس الوزراء عن امتناعه عن الرد على الأسئلة بحجة عدم دستوريتها، استجواب إصلاح سياسي طارئ لا يمكن تأجيله أكثر. فمجموع الأسئلة التي وجهت إلى سمو الرئيس وصلت إلى 21 سؤالاً، معظمها موجّهة من نوّاب مخضرمين، أحدهم كان رئيساً لمجلس أمّة لثلاثة فصول تشريعية، وآخر أستاذ دكتور في العلوم السياسية بجامعة الكويت وعضو مجلس أمّة منذ عام 1996، على مدى ثمانية فصول تشريعية، فضلاً عن المضف شخصيّاً الذي وجه أربعة أسئلة حول السياسة العامة التي تتبعها الحكومة في شأن قضايا محورية عدّة، من بينها معايير إلحاق الهيئات بالوزارات وآلية تسكين القيادات بالوزارات والجهات الحكومية.
باختصار، لتفادي أن يكون التالي بعد «المزمع» هو «المقبرة» للأسئلة البرلمانية حول السياسة العامة للحكومة، أدعو اللجنة التنسيقية النيابية إلى تبني وتسويق الإصلاح السياسي المنشود في استجواب المضف، وإعلان تأييد الاستجواب في حال تقديمه، والتحرك الفوري لإقناع اللجنة التنسيقية الحكومية بأولوية وضرورة إنفاذ هذا الإصلاح السياسي قبل جلسة الاستجواب المزمع تقديمه... اللهمّ أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com