لا يكاد يفوتني مقال يكتبه الدكتور محمد الرميحي، ذلك أن هذا الرجل وفي هذا العصر من القلائل ممن يُطوّع القلم ليُعبّر بصراحة عن واقعنا بكفاءة المُبدع والتزام المُحايد.
في مقال له في جريدة الشرق الأوسط، حمل عنوان (كثير من الضوء قليل من الرؤية) في 11 نوفمبر الجاري، جاء في أخر المقال المميز كالعادة قوله (ما زال الجمهور العربي ضحية تعظيم الهوامش، فالقول بـ«السواعد اليمنية» و«السواعد العراقية» وذّم العرب الآخرين، هو من جديد تضليل الجمهور، فلا الصواريخ والمسيرات «العمياء» القادمة من صنعاء، سوف تؤثر بأي شكل في سير المعركة ولا الهجوم من البعض من «حزب الله» العراقي وآخرين على الحدود الأردنية يؤثر في المعركة، ولا حتى الإساءة للعرب، كل ذلك إصرار على «استغباء» الجمهور العربي الذي خرجت شرائح واسعة منه من ذلك التضليل إلى نور العقل الذي يحاكم الأشياء بنتائجها.) انتهى النقل من مقال الدكتور الرميحي.
لقد اعتادت أمتنا العربية على متلازمة تظهر مع أي صراع دموي يقع فيها، لا سيما تلك الحروب المتعددة والمتكررة التي تقع بين الفلسطينيين وبين اسرائيل، ولهذه المتلازمة أعراض لعل أهمها تغليف الوعي العربي وتزويده بالعتاد من أجل شن الهجوم الإعلامي الممنهج ضد الأمة العربية وقياداتها.
وبعد أول رصاصة تنطلق في أي معركة داخل فلسطين تنطلق معها موجات (تسونامي) الهادفة إلى تحقير أمة العرب واتهامها بكل دنيّة والحرص على تجاهل مواقفها الداعمة للحق الفلسطيني.
اليوم، ووسط صراخ اليتامى والأرامل في غزة بدأ الفصل الجديد لمحاولة تفكيك أمة العرب ووصمها بكل ما يتخيله الإنسان من صفات المهانة، إسرائيل المجرمة ومن ورائها دول الغرب المنحاز كأميركا وبريطانيا وفرنسا، وغيرها كثير ممن يدعمون الدولة العبرية في كل محفل ويزودونها بالمال والعتاد وحتى الرجال، هؤلاء وهؤلاء لم يمسّهم الهجوم ولم تنالهم الدعوات الغاضبة وأمة العرب التي ضحّت بالكثير الكثير من أجل فلسطين؛ وخسرت شعوبها بعض أراضيها؛ وكثير من مدخراتها؛ وأحيانا مستقبل التنمية فيها، وأعطوا كل ما يستطيعون من أجل هذه القضية الكبرى، أمة العرب تلك هي التي ينالها الهجوم وتلوكها الألسن ولا تتوقف ضدها الدعوات.
إننا اليوم بحاجة إلى المراجعات الشاملة لثقافتنا ونُظمنا ورصد المتربصين بنا والذين يرصدون كثيراً من المال من أجل تفعيل تفكيك هذه الأمة وإسقاطها، نحن بحاجة إلى مراجعات يُشارك فيها أولئك المثقفون الذين ضاعت نصائحهم وسط صراخ العامة والمستنفعين، ومهما أخذت هذه المراجعة من جهد ومال ووقت فإنها ضرورة لا بد منها، وشرط مُسبق لا بد من تحقيقه حتى تتضّح الرؤية ويمكن لنا تفعيل برامج التوعية التي نحتاجها لإعادة الوعي لأمتنا.