هل هي بداية للربيع الأميركي والغربي؟!

تصغير
تكبير

طالما بشّرتنا الدوائر الغربية بما أطلقت عليه الربيع العربي الذي حلّ في بعض الدول العربية عبر موجات موجهة استغلت الحال الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها هذه الدول.
في كل من مصر وسورية وليبيا واليمن والسودان وتونس، وبعض الدول العربية الأخرى، حلّت أوضاع جديدة أغلبها تحوّلت إلى أكثر سوءاً من سابق عهدها.

لقد لعبت بعض الدول الغربية وبالأخص الولايات المتحدة دوراً في توجية وإدارة وبعثرة تلك الثورات العربية التي قادتها شرائح الشباب من خلال وسائل التواصل التكنولوجية. خرجت المظاهرات وشبت أعمال العنف ولم يخل بعض منها من تدخلات عسكرية كما حصل في سورية وليبيا، إلى جانب التدخلات الاستخباراتية في جميع تلك التجارب.
لقد كشفت تلك التجارب عن قوة الوسائل التكنولوجية والجماعات والمنظمات غير الحكومية في النهوض والتصدي للآليات الحكومية والنخبوية الموجهة بمحركات النخب السياسية والاقتصادية المهيمنة. ونجحت تلك الجماعات بتوظيف أدوات الإعلام التكنولوجية، مثل «الفيسبوك» و«الواتس اب» ووسائط التغريد والسنابات والتكتوك، في تحريك الرأي العام ضد محركات الوسائل الرسمية والمتحالفة معها والكشف عن رواية أخرى غير تلك التي دشنتها الدوائر الرسمية والنخبوية التقليدية. ولكن مع الأسف الشديد، لم تكن تلك الجماعات «التكنوشبابية» منظمة لكي تقوم بمهام ما بعد سقوط الأنظمة، ولم يكن بمقدورها التجمع تحت مظلة واحدة حيث اخترقتها الأحزاب التقليدية والاستخبارات ووجهت نهاياتها إلى غير مقاصدها لتعم مظاهر الفوضى والدمار في أغلب تلك التجارب.
الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الغربية تواجه اليوم، بعد الانتهاكات الصهيونية لغزة العزة، ذات الربيع ولكنه بشكل مختلف شيئاً ما. هذه الدول ومن خلال دوائرها المؤسساتية والاستخباراتية والسياسية إلى جانب النخبة الاقتصادية والإعلامية التقليدية المتحالفة معها لم تستطع تغطية الحقائق لتسليك روايتها الرسمية المبرمجة صهيونياً، فخرجت المظاهرات الكبيرة في جميع العواصم الغربية المهمة وفي جامعاتها ومنصاتها الإلكترونية. لقد استطاعت الجماهير الذكية أن توظف الوسائل التكنولوجية في نقل الرواية الحقيقية المتمثلة في قتل الأبرياء والاعتداء الآثم الذي تشنه العصابات الصهيونية على الأطفال والنساء والرجال والمنشآت المدنية والمنازل والمستشفيات والمدارس ودُور العبادة. لذلك، تخلخلت بعض المؤسسات الرسمية لهذه الدول من خلال بروز الرأي المعارض الذي عبر عن نفسه بشكل علني واستقالات معللة بشكل أدى إلى فقدان هذه المؤسسات مصداقيتها وشرعيتها الحقيقية.
من خلال تظاهرات وأنشطة الجماهير الذكية العابرة للحدود، تكوَّن رأي عام عالمي ضد الصهيونية العالمية التي تقودها المحركات الرأسمالية والامبريالية لتسقط من يدها أسلحة الهيمنة الثقافية المتمثلة في أغلب دور الإعلام الرئيسية بمؤسساتها المرئية والمكتوبة والرقمية. وقد انعكس ذلك وللمرة الأولى في استطلاعات الرأي العام في هذه الدول حول مأساة غزة، حيث تحولت الأغلبية التي كانت تساند الكيان الغاصب إلى أقلية، وهو ما يدل على أن هذه الأنظمة المبرمجة صهيونياً قد أصبحت مجرد أدوات غاصبة لحرية التفكير والتعبير في قناعة الأغلبيات الشعبية، بل أصبحت في المنظور العام لا تراعي مصالح شعوبها القومية ولا القيم الإنسانية التي كانت ترفع شعاراتها.
ونتيجة لذلك، بدا وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية انطوني بلينكن، بشكل مهزوز ومنفصل عن الواقع أثناء تصريحه المضطرب في اليابان حيث امتلأت تعابيره بالتناقضات والأفكار غير المتصلة مع بعضها البعض، عوضاً عن عدم اتساقها مع سابق تصريحاته ووقائع المسرح السياسي والعسكري. وهذا الاضطراب يعود بالدرجة الأولى إلى الضغوط والاحتجاجات الشعبية والسياسية التي نشبت حتى بين صفوف الحزب الديموقراطي، حيث بيّن أحد الاستطلاعات بأن 33٪ فقط من شباب هذا الحزب يؤيدون سياسة بايدن تجاه تأييد ما تقوم به إسرائيل في غزة، بينما يرى 53٪ من الديموقراطيين بأنه لا يجب إرسال أسلحة ومعدات عسكرية لاسرائيل. كما اظهر استطلاع آخر أن 58٪ من الديموقراطيين يرون بأن اسرائيل تمادت في ردة الفعل في مقابل 7٪ يرون بأنها يجب أن تزيد من حملتها العسكرية، ونسبة 31٪ يرون بأن العمليات العسكرية متناسبة مع ردة الفعل، وهذا يعتبر تراجعاً كبيراً في وسط الحزب الحاكم الذي يترأسه بايدن.
فلا غرو من أن أميركا وبعض الدول الغربية تشهد ربيعاً «ساخناً» نتيجة سقوط كل الشعارات الإنسانية والقيم الديموقراطية التي كانت ترفعها وتتغنى بها المؤسسات الرسمية، حيث تعرت تماماً أمام مشاهد الشعوب والجماهير الذكية، فولدت وعياً نقدياً جديداً ضد الرواية الصهيونية العالمية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي