كانت القمة العربيّة - الإسلاميّة التي انعقدت في الرياض قمتين. قمة المنطق وقمة اللامنطق، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار رغبة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في استغلال التجمع العربي - الإسلامي إلى أبعد حدود للترويج للشعارات والمزايدات التي لم تجلب على المنطقة سوى الكوارث.
لم تكن هذه الشعارات، التي تتاجر بفلسطين، والقدس تحديداً، سوى غطاء لمشروع توسّعي استهدف تدمير المنطقة العربيّة بهدف السيطرة عليها. هل من مأساة أكبر من مأساة لبنان الذي بات تحت سيطرة ميليشيا مذهبيّة، تابعة لإيران، جعلته عرضة لكلّ أنواع المخاطر بعد توريطه في حرب غزّة؟
تحدّث معظم الذين القوا كلمات في افتتاح القمة، التي ترأسها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، عن ضرورة إيجاد حلّ سياسي للخروج من المأساة التي تعيش في ظلّها غزة.
كان الرئيس الإيراني استثناء، كذلك رئيس النظام السوري بشّار الأسد، الذي تجاهل أنّه يشنّ حرباً على الشعب السوري وأن مناطق سوريّة مختلفة تعرّضت بفضله وبفضل حلفائه، وما زالت تتعرض، إلى أسوأ ما تعاني منه غزّة.
لم تكن كلمة الأسد الإبن سوى «درس في الوطنية» أراد القائه على العرب الآخرين، في حين أنّ كلّ ما هو مطلوب منه وقف حربه على الشعب السوري التي لا هدف لها سوى تفتيت سورية وتغيير التركيبة الديموغرافيّة فيها، بما يصبّ في نهاية المطاف في خدمة اليمين الإسرائيلي.
حرص بشّار على القول إنّ «غزة لم تكن يوما قضيّة وأن القضية هي فلسطين».
لم يسأل نفسه: ماذا عن قضيّة إسمها سورية وماذا عن حق تقرير المصير للشعب السوري؟ ماذا عن تهجير ملايين السوريين في داخل سورية وإلى خارجها؟ ماذا عن تهجير فلسطينيي مخيّم اليرموك القريب من دمشق؟
قبل ذلك، طالت كلمة الرئيس الإيراني اكثر مما يجب وكانت مناسبة للمزايدة على العرب والمسلمين الذين ينادون بضرورة وقف الحرب فوراً من جهة ومباشرة البحث في كيفية البحث في تنفيذ حل الدولتين من جهة أخرى.
أكثر من ذلك، ذهب رئيسي بعيداً في حملته على الولايات المتحدة. وجد في قمّة الرياض مناسبة لتصفية حسابات إيرانيّة مع الإدارة الأميركيّة التي ما زالت ترفض مثل هذا الحلّ السياسي في فلسطين... وتتردّد في عقد «صفقة» مع إيران بصفة كونها القوّة المهيمنة في المنطقة.
كان الكلام الإيراني والسوري في قمّة الرياض تجسيداً للغة اللامنطق. يلتقي هذا الكلام مع لغة اليمين الإسرائيلي الذي أوصل الوضع في المنطقة إلى ما وصل إليه ولعب دوراً اساسياً في تفجير الوضع في غزة في ضوء إعتماد سياسة الإستيطان في الضفّة الغربيّة.
هل تتعلّم إسرائيل في ظلّ حكومتها اليمينية شيئاً من تجربة غزّة ومن قمّة الرياض حيث كان هناك منطقان لا علاقة لكلّ منهما بالآخر؟
يصعب الجواب إيجاباً عن هذا السؤال ما دام بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة. كلما مرّ يوم يتأكّد عمق المأزق الإسرائيلي في غزّة الذي هو مأزق رجل إسمه بنيامين نتنياهو يسعى إلى تفادي دخول السجن.
تدفع إسرائيل حالياً ثمن رفض أي تسوية من أي نوع من منطلق أنّ في استطاعتها فرض أمر واقع على الأرض عن طريق المستوطنات التي اقامتها في الضفّة الغربيّة. صار يقيم في هذه المستوطنات نحو 750 ألف إسرائيلي.
هؤلاء يحكمون إسرائيل ويتحكّمون بها منذ سنوات طويلة، منذ اغتيال إسحق رابين تحديداً في الرابع من نوفمبر 1995. كان ذلك بعد سنتين تقريباً من توقيع اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض بين رابين وياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، في حضور الرئيس بيل كلينتون.
ليس ما يشير، في المدى المنظور، إلى نية إسرائيلية في التخلي عن لغة اللامنطق، التي تبرّر بها معاقبة أهل غزة... وصولاً إلى قصف المستشفيات وقتل الأطفال والنساء وارتكاب الفظائع في القطاع، وذلك في ظلّ دعم بعض العرب، من حلفاء إيران، للغة التي يعتمدها بيبي نتنياهو.
كان لافتا في البيان الصادر عن القمة العربيّة - الإسلاميّة «تحفظ الجمهوريّة التونسية عن كل ما ورد في القرار باستثناء النقاط المتعلقة بالوقف الفوري للعدوان على الشعب الفلسطيني وفكّ الحصار عن كلّ فلسطين».
يبدو الرئيس قيس سعيّد مصراً على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر!
كذلك، كان لافتاً «تحفظ جمهورية العراق عن عبارة حلّ الدولتين أينما وجدت في القرار كونها تتعارض مع القانون العراقي». تحفظت جمهورية العراق أيضاً عن «عبارة قتل المدنيين، كونها تساوي بين الشهيد الفلسطيني والمستوطن الإسرائيلي» وعن عبارة «إقامة علاقات طبيعية معها»، أي مع إسرائيل.
تبدو هذه التحفظات أقرب إلى مكافأة في محلها تحصل عليها الولايات المتحدة التي اجتاحت العراق في 2003 وأوصلت الميليشيات المذهبيّة، الموالية لإيران، إلى بغداد على ظهر دبابة من دباباتها. ليس الموقف العراقي في قمة الرياض سوى تأكيد لواقع في غاية الوضوح يتمثل في أن طهران باتت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في بغداد وأن «الحشد الشعبي» صار الدولة العراقية بمباركة من حكومة محمّد شياع السوداني.
يبقى، في ضوء انعقاد قمّة الرياض، وجوب التوقف عند الموقف الأميركي. إلى أي منطق ستنحاز إدارة جو بايدن في المستقبل القريب؟ إلى المنطق أو إلى اللامنطق الذي اعتمده اليمين الإسرائيلي بقيادة بيبي نتنياهو الذي يبدو واضحا أنّه في حال هروب مستمرّة إلى الامام.
عاجلاً أم آجلاً سيتوقف القتال في غزّة... هذا إذا لم تتوسع الحرب. سيكون توقف الحرب مناسبة كي يقول العقلاء بين العرب أنّهم موجودون في المنطقة اعتماداً على لغة المنطق. كذلك سيكون توقف الحرب فرصة تثبت فيها إدارة بايدن أنّ أميركا لا تزال صاحبة نفوذ ودور قيادي في الشرق الأوسط وما هو أبعد منه.