No Script

سافر إلى ذاتك

ألِيس في بلاد العجائب

تصغير
تكبير

«إن كنت تريد ألا يتعرف عليك الناس ولا يكشفك المختصون النفسيون لا تكتب، فالكتابة نشرة نفسية عنك وتفضح الكثير منك وتكشف ما فيك وما تعانيه وما عانيته وما تعنيه وما تبكيه وأبكاك وما تعنيه في كلماتك، أي الكتابة هي كشف DNA النفسي عنك».
... وهذا ما حدث للكاتب لويس كارول، عام 1865، الذي كتب روايته الشهيرة «أليس في بلاد العجائب»، وهي رواية تتكلم عن طفلة تلحق أرنباً فتدخل جحراً ويصغر حجمها وتتخيل عالماً وتسمع أصواتاً خاصة بها ويكبر بحجمها حيناً آخر. ووصف بروايته كيف انها تفقد احساسها بالواقع وتعيش بعالم العجائب وبيّن عالم أليس العجيب كما وصفه في الرواية وتغيراته البصرية والشكلية والانفعالية وباللمس.

وبيّن العلماء والمفكرون الذين تحدثوا عن متلازمة نادرة الحدوث وهي مرتبطة بالتشوه بالإدراك البصري وتشوه بحاسة السمع وإدراك الوقت وهذه المتلازمة يشعر صاحبها أن ملمس الأشياء تغير، وأنّ حجمه صار أكبر أو أصغر من الطبيعيين وأنّ الأشياء حوله باحجام متغيرة وغير ثابتة. وتم اكتشاف هذا الأمر عندما حضر للدكتور تود، مريضاً يشعر أن الكيبورد يتحرك، وعند فحص نظره تبيّن أنه سليم ولا يعاني من مشاكل بالنظر. وبعد البحث والتقصي توصلوا إلى أنّ هناك مشكلة بالدماغ تحدث لفئة نادرة من الناس تصيب القسم المسؤول عن الأوامر البصرية في الدماغ، وتتميز بوجود تشوهات بصرية مع وجود جهاز بصري سليم.
هذه الاضطرابات تتمثل بتعطيل الرسائل التي ترسلها العيون إلى الدماغ وتظهرها متشوهة ومختلفة عن حقيقتها، ما يؤدي إلى حدوث تشوه في الإدراك البصري. وهذه بلاد العجائب التي تخيلتها أليس، علاوة على ذلك، فإنّ هذه المتلازمة قد تؤدي أيضاً إلى تشوهات غريبة في حاستي اللمس والسمع، وهذا ما يفسر لماذا أليس، كانت تسمع أصواتاً وتلمس أشياءً واستشعارها بشكل مختلف عن حقيقتها. وهذه المتلازمة قد تصيب الشخص في أي سن كانت، إلا أنّها تعد أكثر شيوعاً لدى الأطفال. ووصفها كارلوس، بالرواية بشكل دقيق، مسقطاً الأمر على طفلة هي التي كانت ترى تغيراً في الأشكال والأحجام. وهي ما أثبتت للمختصين أن الكاتب كان من المرجح أنه يشكو من هذه المتلازمة ويعاني منها واسقطها على روايته، حيث إنه وصفها وعبر عنها بشكل دقيق وبصورة حقيقية، فنحن نصبح فنانين عندما نعبر عن معاناتنا، لاننا فقط من نعرف كيف نشعر وماذا نشعر وآلية وصف الشعور. وبين رواية أليس في بلاد العجائب 1865، وبين اكتشاف المتلازمة سنه 1955، نصل هنا إلى أنّ الأدب يسبق العلم أحياناً وأنّ الأدباء المتميزين اختصروا العلم بابداعهم، وأنّ الأدب لا يمكن تجاهل جمالياته ولا يمكن المرور فوق معاناته، فهو يرشد العلماء للمزيد من الاكتشافات والأبحاث، لذلك، اقرأ لتكتشف لتعرف لتصل ولتنجح ورغم أنّ المتلازمة تعدّدت أسمائها مثل متلازمة تود (Todd`s syndrome) أو هلوسة القزم (Lilliputian syndrome) إلا أن أليس في بلاد العجائب هو الأسم الأكثر شهرة لها.
عزيزي القارئ، اهتم لما تقرأ، كثيراً من المعاناة مختزلة في الكتابة لتعرف معاناة من يعنيك، اقرأ ما يُكتب أو انتبه لما يُقتبس من كلمات لا يستثيرنا إلا ما يغرف من قلوبنا. وأخيراً ستتعرف على الكثير عنك، والكثير عنهم، والكثير عن الحياة في القراءة.
تحياتي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي