رؤية ورأي

داوود الناطور

تصغير
تكبير

وفق أحداث الفيلم الوثائقي الإسرائيلي «راديو بروباغندا» (Radio Propaganda)، الذي عرض في مهرجان تل أبيب للأفلام الوثائقية – الذي نُظم في مايو العام الجاري – كانت إذاعة «راديو صوت إسرائيل باللغة العربية» (Beit Shidir) واحدة من أهم أدوات الاستخبارات الإسرائيلية لتغيير وتوجيه الرأي العام في الدول العربية عبر خطاب مخادع، وتجنيد وتشغيل العملاء من خلال شيفرات ألصقت بالأغاني وزرعت في البرامج.
كان أبطال هذا الخطاب المخادع مذيعين يهوداً استوطنوا في فلسطين، واستعاروا أسماء عربية مثل داوود الناطور. المذيع الذي تمكّن خلال فترة قصيرة من التغلغل في عقول الشعوب العربية بتبنّي لغة بسيطة في برنامجه الإذاعي في الوقت الذي كانت الإذاعات العربية تبث بلغة معقّدة لا يفهمها البسطاء، كما أنه أَسَر قلوبهم باستخدام المجاز والأمثال العربية وبتغيير نبرة صوته ليبدو مسنّاً صاحب خبرة في الحياة.

لم يعلم مستمعو داوود الناطور، الذي كان منتحلاً شخصية عربي قروي تربطه علاقة طيبة باليهود، أنه كان ضابط استخبارات في الجيش الإسرائيلي. لذلك اقتنع الكثير منهم بنصائحه، وكانت من بينها تلك الموجّهة إلى «إخوته» الأردنيين والمصريين عبر مقولته: «أنا أعرف اليهود. ماذا تريدون منهم؟ دعونا نعيش معهم بسلام وستكون أموركم جيّدة. أنا سعيد».
تذكّرت منهجية داوود الناطور عندما شاهدت إعلاناً تجارياً – تزامن مع موجة تراشق طائفي حول الحرب في غزّة – فحواه «اللي مو على دينك ما يعينك، تعرفونهم... منكم وفيكم». فمبنى الإعلان التجاري خاطئ ونتيجته كارثية كما كان المبنى لنصيحة داوود الناطور «لإخوته» العرب خاطئاً ونتيجتها كارثية. فالحكومات الغربية تغيّرت مواقفها، من التأييد الكامل لحق إسرائيل المطلق في الرد على عملية «طوفان الأقصى» إلى تأييد حقّها في الرد وفق أطر الاتفاقيات الدولية، بل تغيّر مواقف بعض هذه الدول إلى المطالبة بهدنة لدواعٍ إنسانية؛ كل ذلك بفضل المظاهرات الواسعة – التي اجتاحت عواصمها – المندّدة بجرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
الشاهد أن غير المسلمين «اللي مو على دينّا» الذين شاركوا في هذه المظاهرات «أعانوا» المسلمين في غزّة برفع الحصانة المطلقة لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل.
لا أتهم استخبارات الجيش الإسرائيلي بالوقوف وراء هذا الإعلان التجاري، ولكن من الخطورة بمكان على أمننا الوطني الاكتفاء بإزالة البوستر التجاري من دون إحالة علنية للحادثة إلى جهاز أمن الدولة للتحقيق في حيثياتها. فإذا كان إنهاء حالة الحرب بين العرب والإسرائيليين هو الهدف المرحلي الأسمى لداوود الناطور بعد النكبة في 1948، فإن الهدف الأَوْلى لخليفته اليوم هو اذكاء الفتنة الطائفية بين المسلمين. والشواهد على هذه الأولوية الإسرائيلية وفيرة، من بينها تصريحات المسؤولين الإسرائيليين السياسيين والأمنيين ومقالات وتغريدات المفكّرين البارزين التي تشير صراحة إلى مفردتي «سنة وشيعة» وخطورة اتحادهم المتزامن مع انقسام إسرائيل وذلك بعد عودة العلاقات السعودية - الإيرانية في مارس العام الجاري.
وهنا، لابد من الإشارة إلى ما جاء في النطق السامي الذي ألقاه ممثل سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، في حفل افتتاح دور الانعقاد الثاني للمجلس الحالي، وتحديداً الفقرة التي اشتملت على «الحكمة تقتضي منّا مراقبة ما يدور في العالم من تغيرات وأحداث وتطورات لها انعكاسات مؤثرة وخطيرة على أمن واستقرار البلاد ما يتطلّب من الجميع التمسّك بالوحدة الوطنية والعمل بروح المسؤولية للحفاظ على أمن الوطن واستقراره مبتعدين عن كل ما يضر بمصالحه ومصالح المواطنين من أسباب التوتر والاختلاف».
المراد أن الحكومة مطالبة بترجمة هذا التكليف السامي.
وإلى جانب الحكومة، الشعب ونوّابه مطالبين بتحمل المسؤولية عن تماسك النسيج الاجتماعي واستقرار الوطن مثلما ينفرون للحفاظ على الذوق العام...
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي