نظرة دينية وحقوقية لاستقصاء المسؤولية الشرعية والقانونية في القضية
إخفاء عمليات التجميل قبل الزواج... هل يُعتبر تدليساً؟
لايزال المواطنون يتذكرون المشهد الكوميدي للفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا، في مسلسل «درس خصوصي» عندما صُدم في ليلة الدخلة بعروسه الفنانة سعاد عبدالله، وهي تقوم بنزع باروكة الشعر والحواجب والرموش المركبة، ثم تخرج العدسات من عيونها، وتغسل المكياج عن وجهها، لتظهر له صورة مختلفة تماماً عن الصورة الجميلة التي كان قد رآها قبل دقائق قليلة.
هذا المشهد الذي يعود إلى العام 1981، كان سابقاً عصره، وكأنه يتكلّم عن حال الوضع اليوم، بعد نحو 42 عاماً، حيث أصبحت صورة بعض النساء، وأحياناً بعض الرجال، يوم الزفاف، تختلف كلياً عن الصورة الحقيقية أو السابقة، سواء بسبب عمليات التجميل، أو لمسات خبيرات المكياج، وهو ما تسبّب في كثير من المشكلات بعد يوم الزفاف.
وإذا كانت الأم قديماً تقوم بنفسها بفحص العروس عندما تخطب لابنها، للتأكد من أن كل ما تراه طبيعياً، لأنه يصعب على العريس التأكد من ذلك الموضوع قبل الزواج، فكيف يكون الحال اليوم في عصر السيليكون والحقن، وعمليات التجميل، حتى أنه لم يعد بمقدور الرجل التمييز بين المرأة ذات الجمال الطبيعي وتلك ذات الجمال الاصطناعي التي عبثت بها أيادي جراحي التجميل؟
وقد تسببت هذه المشكلة أحياناً برفع قضايا طلاق للضرر بداعي أن الزوجة «مغشوشة» ولم تفصح له قبل الزواج عن العمليات التي أجرتها وجعلت منها مقبولة للزواج.«الراي» فتحت النقاش في هذه القضية، وسألت رجال الدين عن شرعية زواج مَنْ لم تفصح لزوجها عن عمليات التجميل قبل عقد القران وما إذا كانت ملزمة برد المهر، كما سألت خبراء القانون عن الجانب القانوني في إخفاء عمليات التجميل عن الزوج، والزوجة في بعض الأحيان.
«عدم ذكر عمليات تحسين الشكل والمظهر لا يُعتبر غشاً أو جريمة»
العبدان: واجب كلا الزوجين الإفصاح عن أيّ عمليات... سبق القيام بها قبل الارتباط
- في حال إخفاء أي عيب جوهري عن الزوج يتم الطلاق مع استرداد المهر
قالت المحامية منال العبدان إن «عمليات التجميل التي يجريها الزوج أو الزوجة، قبل الزواج، لتحسين الشكل والمظهر، وعدم ذكر تلك العمليات لا يعتبر غشاً أو جريمة، ما دامت هذه العمليات لا تمنع قيام الحياة الزوجية، ولا تمنع أيّ طرف من تأدية واجبه تجاه الآخر أو تؤثر على صحته الجسدية، وغالباً هذه العمليات تكون واضحة وظاهرة على الجسد، ويمكن ملاحظتها أو السؤال عنها قبل الزواج».
وأشارت العبدان إلى أنه «لا يحق للزوج رفع دعوى طلاق بسبب عمليات التجميل أو طلب رد المهر، لوقوع الزواج وتحقق الخلوة الشرعية والدخول بالزوجة فهذه تسقط المهر ولا يمكن المطالبة به». وأوضحت أن «عمليات التجميل أصبحت اليوم منتشرة بشكل كبير، لكل من الزوج والزوجة، فأغلب العمليات تكون واضحة وظاهرة على الشكل ممكن اكتشافها حتى دون الإفصاح عنها، ويحق لأي طرف القبول أو الرفض قبل الزواج».
وأضافت «من الواجب على كل مَنْ يتقدم للزواج، سواء أكان رجلاً أو امرأة، الإفصاح عن أي عمليات سبق القيام بها قبل الزواج، ومنها عمليات التجميل الناتجة عن الحوادث لا قدر الله، فقد يتعرّض الإنسان لحادث سيارة أو حرق أو غيره من الحوادث، ويبقى فترات طويلة تحت تأثير العلاج.
وقد يكون سبباً في بعض حالات العقم، أو يؤثر على عملية الحمل، وكل سبب يعوق استمرار الحياة الزوجية أو يمنع الزوج أو الزوجة عن ممارسة حقه الطبيعي، ويكون سبباً للطلاق. وفي حال إخفاء هذا العيب الجوهري يتم الطلاق مع استرداد المهر».
«ما لم تكن لتعديل تشوّه خَلقي»
طارق العلي: المرأة ملزمة بالإبلاغ عن أيّ عملية تجميل
قال الشيخ طارق العلي إن «الزواج إيجاب وقبول، وفق توافق الطرفين»، مشيراً إلى أنه «إذا كانت عملية التجميل أجرتها المرأة لتعديل تشوّه خَلقي، فهي غير ملزمة بإبلاغ الزوج عنها. أما غير ذلك فهي ملزمة بإبلاغه»، مؤكداً أن «المهر لا يُرد للزوج إذا اختلى بالعروس أو دخل بها، إلّا برضاها».
ودعا العلي الشباب إلى «اختيار ذات الخلق والدين، لتكوين أسرة تكون نواة مجتمع محافظ ومؤمن، وكذلك على البنات ألا يذهبن وراء عمليات التجميل التي تغير من خلق الله، وما أحسن من خلق الله صنعة».
«ذكر عمليات التجميل في عقد الزواج لحفظ حقوق الطرفين ومنع الابتزاز»
بدر الحجرف: من حق الزوج استرجاع المهر في حالات
أكد الشيخ بدر الحجرف أن «الأصل إبلاغ الزوج بعمليات التجميل التي أجرتها الزوجة، وخصوصاً معالجة العيوب الخلقية، حتى يكون الزوج على بيّنة، ولا يُصدم بعد الزواج بزوجته، وما سينتج عن ذلك من مشاكل وربما تصل إلى الطلاق».
وأيّد الحجرف أن «يتم ذكر إجراء عمليات التجميل أو لا، في عقد الزواج، حتى تحفظ حقوق الطرفين وتمنع الابتزاز بعد الزواج، حيث يقوم بعض ضعاف النفوس بعد الزواج بفترة، بتطليق الزوجة بحجة أنها غشته ولم تبلغه بعمليات التجميل التي أجرتها»، مؤكداً أن «هذا الأمر يسري على الطرفين، فقد يكون الزوج قد قام بإجراء عمليات من دون إبلاغ الزوجة».
وأشار إلى ان «عدم الإبلاغ يؤثم فيه ولي الأمر والزوجة، ومن حق الزوج استرجاع المهر في حال الطلاق إذا كانت العمليات مؤثرة في الحياة الزوجية كإزالة الرحم مثلاً».
«هناك حالات يكون فيها غش يوجب فسخ العقد»
السعيدي: توثيق العمليات في العقد... يسحب ذرائع الطلاق لدى الرجال
- يجب الإبلاغ عما يؤثر في الإنجاب والحياة الزوجية ويترتب عليه تشوهات وعيوب مستحكمة
أكدت المحامية آلاء السعيدي أن «عدم ابلاغ الزوجة لزوجها عن عمليات التجميل التي قامت بها قبل الزواج لا يُعتبر جريمة، ويحق للإنسان تعديل بعض الأمور البسيطة من إجراءات مقترنة بالحالة الطبية، مثل تعديل اعوجاج الأنف وغيرها».
وقالت السعيدي «يحق للزوج رفع قضية طلاق للضرر، حسب الحالة. فهناك حالات يكون فيها غش يوجب بها فسخ عقد الزواج مثل عملية تؤثر على الإنجاب، وعدم استمرار الحياة الزوجية»، مؤيدة أن «يتم توثيق ما قامت به المرأة من عمليات تجميل من عدمه في عقد الزواج، من باب الشفافية والمصارحة، وتدراكاً لتزايد معدلات الطلاق نتيجة الإخفاء».
وذكرت أنه «يمكن للزوج أن تكون له ذريعة للطلاق بحجة أن الزوجة لم تبلغه وفي نيته الطلاق لأمور أخرى».
وعن العمليات الواجب إبلاغ الزوج عنها دون غيرها، ولا يمكن إخفاؤها، قالت السعيدي إنها «العمليات التي تؤثر في الإنجاب وفي الحياة الزوجية، والعمليات التي يترتب عليها ضرر كالتشوهات والعيوب المستحكمة. وذلك أن نص المادة 139 من قانون الأحوال الشخصية ينص على (لكل من الزوجين أن يطلب فسخ عقد الزواج، إذا وجد في الآخر عيباً مستحكماً من العيوب المنفرة أو المضرة أو التي تحول دون الاستمتاع، سواء كان العيب موجوداً قبل العقد أو بعده)».
وتابعت «تعاملت مع العديد من القضايا الخاصة بطلب الزوج فسخ عقد الزواج بسبب التكميم، ولكن للمحكمة رأي آخر، وصدرت الأحكام لصالح موكلينا برفض هذه الدعاوى، استناداً إلى تقارير صادرة من إدارة الطب الشرعي، تؤكد عدم تضرر المدعى عليهم من إجراء هذه العمليات، سواء كان هذا الضرر تشوهات في الجسم، أو ما يعيق أداء أي من الواجبات الزوجية».