قيم ومبادئ

الرحمة... والإنسانية...

تصغير
تكبير

إن اليد التي تصون الدموع أفضل من اليد التي تريق الدماء، واليد التي تشرح الصدور أشرف من اليد التي تبقر البطون، فالمحسن بحسن خُلُقه أفضل من القائد وأشرف من المجاهد بفوضى، وكم بين من يحيي الميت ومن يميت الحي! والعيش في سبيل الله أصعب من الجهاد في سبيل الله.
إن الرحمة مصطلح عالمي ولكن بين لفظها ومعناها الحقيقي من الفرق مثل ما بين الشمس الدافئة في الشتاء والشمس في حقيقتها في الصيف، فإذا أوجد الحكيم بين جوانح الانسان ضالته من القلب الرحيم وجد المجتمع ضالته من السعادة والهناء والاستقرار.

ولو تراحم الناس بالرحمة التي انزلها الله تعالى عليهم وهي جزء من مئة جزء – ادخرها لهم ليوم القيامة - لما وجدت بينهم جائعاً ولا عارياً ولا مهضوماً ولأقفرت الجفون من المدامع واطمأنت الجنوب في المضاجع وانمحت بالرحمة طرائق الشقاء كما يمحو لسان الفجر مداد الظلام.
لم يخلق الله الخلق ليقتّر عليهم في الارزاق، ولم يقذف بهذا الإنسان في هذا المجتمع ليموت فيه جوعاً وعطشاً بل أرادت حكمته سبحانه ان يخلقه ويخلق له فوق بساط الأرض وتحت ظِلال الغمام ما يكفيه مؤونته (وفي السماء رزقكم وما توعدون).
ولكن لما توحشت الإنسانية سُلبت الرحمة، فبغى بعضهم على بعض وغدر القوي بالضعيف واحتبس الرزق فتغير نظام القسمة العادلة وتشوه وجهها الجميل، ولو كان للرحمة سبيل إلى القلوب لما كان للشقاء إليها سبيل (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون).
والحقيقة هي ان الفرد هو المجتمع، وإنما يتعدد بتعدد الصور والظروف أتدري متى يكون الانسان إنساناً؟ متى عرف هذه الحقيقة حق المعرفة واشعرها نفسه؟ فخفق لها قلبه لخفقان القلوب وسكن لسكونها ولفرح لفرحها والحقيقة هي (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، فإذا انقطعت هذه الحقيقة عن الإنسان وانفرد عنها استوحش في نفسه وأصبح القتل هوايةً له، ولا تسكن نفسه وتستريح جوارحه إلا على أنات المجروحين وصيحات المقصوفين وجثث المجندلين في الطرقات، بل أكثر من ذلك تُعلّق على اكتافه عشرات النياشين وتُطلق عليه عبارات الشجاعة والإقدام ولو على جماجم المدنيين الأبرياء والأطفال!
وجماع القول، انه لا يمكن ان تجتمع رحمة الرحماء وشقوة الأشقياء في مكان واحد إلا إذا أمكن ان يجتمع في بقعة واحده مَلَكٌ رحيم وشيطانٌ رجيم!
إن من الناس من تكون عنده المعونة الصالحة للبر والإحسان فلا يفعل! وإذا عاشر الناس عاشرهم ليعرف كيف يحتلب درّتهم ويمتصّ دماءهم ولا يعاملهم إلا كما يعامل شويهاته وبقراته ولا يطعمها ولا يسقيها إلا لما يترقب من الربح في الاتجار بألبانها وأصوافها ولو استطاع أن يهدم بيتاً ليربح حجراً لفعل! وهو كمن يبني قصراً ويهدم مِصراً.
وإن من الناس إذا جالسته لا تسمع منه إلا حديثاً عن الدينار وأين مستقره؟ وكيف الطريق إليه؟ وما السبيل الى حبسه والحيطة من فراره يبيت ليله حزيناً كيف تُجمع الأموال لأن خزانته ينقصها درهم كان يتخيله في يقظته أو رآه في منامه أنه سيأتيه فلم يُقيّص له؟ فيا أيها الإنسان الحذر الحذر كله من ان تكون واحداً من هؤلاء، فإنهم سباع مفترسة وذئاب ضارية على صورة بشر بل اعظك الا تدنو من أحدهم أو تعترض طريقه فربما بدا له ان يأكلك فأكلك غير حافل بك ولا آسف عليك من أجل مصالحه فقط !
(ويقتاتون من الأزمات).
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي