«يا قوم لا تكونوا آخر مَنْ أسلم وأول مَنْ بدّل».
بهذه الكلمات الخالدة وقف ذلك الخطيب المفوّه والمفاوض لقريش الذائد عنها بحد لسانه الذي يخشاه العدا وهو في غمد فمه.
اعتلى هذا الفصيح صهوة الموقف الذي كان لا بد لمثله أن يعتليها، والذي كان بفعله يستقيل ذنوب عمرٍ مضى بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في مكة، عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس للإسلام ويبلغهم رسالة الله عز وجل، و كلامه تبارك وتعالى، ويرشدهم لما فيه صلاح آجلهم وعاجلهم صدقاً وحقاً، يُجَيِّش هذا الفصيح كلماته غائرة ضد دعوة النبي عليه الصلاة والسلام مستغلاً ما آتاه الله من البيان.
عدو الله سهيل بن عمرو.
دعني يارسول الله أنزع ثنيتيه فيندلق لسانه حتى لا يقوم خطيباً عليك بعد اليوم؛ قالها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يوم رأى سهيلاً أسيراً يوم بدر، فأراد أن يكسر مقدمة أسنانه كي يفقد فصاحته ولا يسحر السامع له ولا يقف متفاصحاً...
فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: دعه يا عمر عساه أن يقف موقفاً يسرّك.
لم يكن يعلم الفاروق، رضي الله، عنه عندما أخذته الغيرة على دين الله ودعوة رسوله ما يؤول إليه مآل هذا الخطيب، فكان هذا الفصيح المعادي بفصاحته مناصراً بها يوم ارتدت العرب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وطالت هذه الردة بعضاً من قريش التي تأخرت بإسلامها رغم ما خصها الله عز وجل من شرف هذا القرب من نور النبوة.
يبدّل الله حال الإنسان في يومٍ وليلة ولا يعرف كيف تختم أعماله وتطوى صحيفته، فلعل المعادي اليوم يكون مناصراً غداً لو أحسنا الظن بالله، فإحسان الظن بالإنسان وبكرم الله سبحانه و تعالى أولى لنا...
هذا واقع حال كثير من الناس بزماننا، فلعل من ألهته الغفلة وتبع ركب الماديات الدنيوية وما تُنظمه المنظمات العالمية لتعكير صفو الإسلام الذي لن يتعكّر بإذن الله، يقف موقفاً يسرّك غداً، فلا تعلم أحوال الناس وظروف نشأتهم ومتى يشاء الله هدايتهم... لكنك تعلم: ((وما ذلك على الله بعزيز)).