في بدهيات علم المقارنات هناك حقيقة مؤكدة مفادها ضرورة التجانس في النوع قبل عقد أي مقارنة حتى تتكون نتائج علمية دقيقة.
فمثلاً لا يجوز مقارنة الشمس بالقمر ولا الليل بالنهار، فكل له دوره ومزاياه التي لا توجد لدى الطرف الثاني حكماً، وتجعل المقارنة بينهما تخالف أبسط الحقائق وضرورات المنطق.
أما الحديث عن العلاقة بين التنمية والديموقراطية فهو من المواضيع الأكثر جدلية، ليس للمفاضلة بينهما، وتحديد الأعلى شأناً لكن لتحديد أهمية الأسبقية بين الظاهرتين، أخذاً بالاعتبار أن الثابت في التجارب العالمية الناجحة أن الديموقراطية تثري التنمية وتجعل التنمية السياسية أحد مغذيات التنمية الاقتصادية.
في الكويت لا أحد ينكر أن التنمية الاقتصادية متعثرة لحد ما قياساً بإمكانات الدولة وقدراتها المالية والبشرية، علاوة على تاريخ البلاد النضالي في الريادة الاقتصادية، فمصطلح درة الخليج على الكويت لم يطلق عبثاً.
لكن لا أحد ينكر في المقابل وجود التنمية بالبلاد واستمرار الدفع بها في كل فترة لبلوغ مراكز أكثر تقدمية تليق بالكويت وشعبها ومقدراتهم الحقيقية.
فمن خلال جردة تاريخية متصلة بالحاضر للقطاعات الكويتية بمختلف أنواعها يمكن بسهولة ملاحظة الدعوات المتتالية للتطوير من الجميع حكومياً ونيابياً وشعبياً، وهذا لا يعني فقر هذه القطاعات بل بالعكس تماماً يمكن القول إن الكويت لديها تنمية متجذرة لكن يؤخذ عليها البطء، والشاهد في المساحة الاستثمارية التي يمتلكها القطاع الخاص عالمياً وريادة شركاته وحصص استحواذها في جميع الأسواق الخليجية والإقليمية والعالمية.
ففي كل سوق به فرصة مشجعة تجد شركة كويتية متميزة تقتنصها ببراعة المحترف وملاءة الغني وعقلية المستثمر الناضج، وهذا ليس بجديد على القطاع الخاص الكويتي الذي استفاد من رحاب الديموقراطية في بلاده في فتح آفاق اقتصادية خاص به في كل مكان حتى بات يشكّل كتلة مؤثرة في كل سوق ليكون محل ترحيب من الجميع لعباءته المالية الكبيرة وقيمته المضافة لأي سوق يحل به.
إذاً، الحديث غير المسؤول عن ربط تراجع التنمية محلياً بالأسواق الخارجية بثراء الديموقراطية بالكويت «كلام مأخوذ خيره» ففي علم الفلسفة لا يمكن التفريق بين الديموقراطية والتنمية الاقتصادية فهما وجهان لعملة واحدة لا يمكن استغناء أحدهما عن الآخر.
مرة ثانية لا يمكن أن ننكر أن التنمية في الكويت متأخرة لكنها في الوقت نفسه ليست جامدة كما يروج البعض الذي يفتقد لأساسيات الحكم على مفهوم وحقيقة التنمية المستدامة الصحية، التي تضمن استمرارية الإنجاز وليس حصره في مرحلة معينة.
وإذا كان البعض وجه الاتهام بفشل الديموقراطية الكويتية في إحداث التنمية فهو لا يعي أن اشتعال الحراك السياسي في الكويت يومياً على الأصعدة كافة هدفه القفز إلى التنمية المستدامة دون أن يرفض هذه المساعي أي طرف ما يعد في حد ذاته أعظم إنجازات الديموقراطية الكويتية.
الخلاصة:
العرض الراقي الذي قدمه وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري، أخيراً يشكل خطوة جديرة بالاحترام والتقدير وتحديداً في ما يتعلق بتأكيده على أن الإعلام ملك الشعب.
حديث المطيري المنفتح فكرياً والعاكس لثقافة مجتمع متطور في صناعة اختياراته يحمل دلالات قوية وواضحة على وجود خيارات متنوعة تعزز مبدأ وقيمة افتخارنا بتنامي الديموقراطية الكويتية التي تسمح للجميع دون تفضيل لإثراء أي تنمية للبلاد وإن اختلفت الرؤى.
حديث الوزير المطيري يؤكد أيضاً استجابة سلطة الدولة لسلطة الشعب واعترافها المتقدم مشاركته في بناء مستقبله وهذا يعد أرقى مفاهيم التنمية.