سوق المقاصيص، هو أحد أقدم أسواق الكويت القديمة والحديثة الذي يقع في قلب الديرة بجانب سوق المباركية، وتحديداً في شارع الشيخ عبدالله السالم، الذي يطلق عليه الشارع الجديد، وبالتالي هو لا يبعد عن مجلس الأمة الذي يضم قاعة الشيخ عبدالله السالم، إلا ثلاثة كيلو مترات فقط.
سمي السوق بالمقاصيص لأنه كان سوقاً لبيع الأغراض المستعملة لمن يريد أن يحصل على مال نتيجة إفلاسه أو عازته، وقد تطور السوق مع الزمن ليضم بعض الدلالين المحترفين من زمن الطيبين في هذا السوق الشهير.
مشكلة هذا السوق هي دخول بعض الدلالين المحترفين الجدد الذين يجيدون مهنة «القص»، والذين يستغلون حاجة الناس وجهلهم ليشتروا منهم السلع بثمن بخس ثم يبيعونها بثمن عال. أحياناً، يقوم بعض الدلالين بالاحتيال، إذ يتفق مع قرنائه لرفع أو خفض السعر للغرض المباع ليتم بعد ذلك تقاسم الربح.
ولقد جسّد الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا، رحمه الله، وأخوه الفنان سعد الفرج، حفظه الله، إسقاطات اجتماعية وسياسية واقتصادية في المسلسل الكوميدي (سوق المقاصيص)، الذي يختلط به الحابل بالنابل حيث من خلاله تدخل شخصية عضو مجلس الأمة وشخصية المتنفذ وشخصية الدلال الغشّاش، وغيرها من شخصيات.
في الجهة الأخرى، مجلس الأمة الكويتي الذي يفخر بوجوده كل كويتي كدُرة دستورية وقيمة وطنية تاريخية كبيرة حيث أنجز للشعب الكويتي ما لا يمكن حصره في مقال أو كتاب، ولكنه مع مرور الزمن وبكل أسف دخل إلى قاعته الشهيرة، المسماة على أبو الدستور الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، البعض الذين لا نريد لهم أن يكونوا متشابهين مع دلالي سوق المقاصيص الجدد!
لا أريد أن أكون قاسياً في النقد وإنما أنا ناصح من أجل الإصلاح، فلا تنزعج يا أخي النائب مما أقوله إلا إذا كنت تحس أنك مقصود، وأنا لا أتقصد أحداً بل جل ما أرمي إليه هو «الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلاً».
لا أتحدّث فقط عن المجلس الحالي، وإنما مجالس عدة سابقة أيضاً، والتي تعبنا من حلها وعدها وعقدها. ففي هذه المجالس خلال الفترة السابقة إلى الحالي يوجد من يمارس مهنته بشكل قد يكون شبيهاً بالدلالين الذين يزايدون على الناس وأحياناً للناس. فمنهم من يزايد على الوطنية ويعتبر أنه وأسلافه هم المستحقون فقط للمشاركة السياسية، ومنهم من يزايد في الدين ويعتبر نفسه أقوم الناس على دينهم، ومنهم من يزايد على المرأة ويعتبرها قيمة انتخابية فقط لا قيمة إنسانية وتنموية ومشاركة حقيقية في بناء الوطن، ومنهم من يزايد على الولاء ويمارس التمييز ضد الآخرين بسبب الدين أو المذهب أو الأصل، ومنهم من يزايد على محاربة الفساد وهو يتوسط لمن ليس أكفأ ويعتبر ذلك مكسباً، ومنهم من يزايد على التعليم وهو في الحقيقة لا يعير للتعليم وتطويره أيّ اهتمام، ومنهم من يزايد على القضايا الخارجية وهو لا يفقه أبجديات العلاقات الدولية ويريد أن تكون سياسة الدولة الخارجية وفقاً لأهوائه الأيديولوجية، ومنهم من يزايد على حقوق المتقاعدين وهو لا يدخر نصف ساعة في عمله البرلماني لمقابلة أو تناول مآسي هؤلاء الناس، ومنهم من يزايد على الآخرين بالدفاع عن الحريات وهو من يشرع السجن وتغليظ العقوبات على من يدلي برأيه، والسرد في تلك الأمثلة يطول.
لا شك أن في مقابل هؤلاء رجال ونساء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فأدوا الأمانة وصدقوا في ما وعدوا، وتحمّلوا وزر التهم، وكابدوا العناء والمِحن، وخاطروا بأنفسهم ومصالحهم من أجل الوطن، وضحوا بما لديهم من وقت وصحة وبذلوا قدر جهدهم لبلوغ الأمل، واعتركوا نخب الفساد وأوقفوا ما استطاعوا أن يوقفوه، وصمدوا من أجل مبدأ بغض النظر عما دفعوه من ثمن، والقائمة تطول أيضاً.
في خضم كل ذلك، وفي ضوء هذه التجربة التي فاضت بالدلالين والمتفذلكين والصالحين والمُصلِحين، نريد أن نخلص ديموقراطيتنا من المفلسين الذين يبيعون ضمائرهم وأصواتهم كما نريد أن نتخلص من الدلالين السياسيين، ونعظم من الصالحين. ولكن وبكل صراحة كأحد المراقبين لا أزال أجد بعض الدلالين المزايدين لهم صوت عال وهم من يحاول قيادة المشهد إلى الإفلاس، مع جل الاحترام للجميع والاعتذار عن النصيحة الصريحة.