فور خروجه من اجتماع لجنة تعزيز القيم مع وزير التعليم العالي وقياديين بجامعة الكويت، أعلن رئيس اللجنة النائب محمد هايف، أن وزير التعليم العالي ومدير الجامعة وافقا على إلغاء الشعب المختلطة، في كلية الحقوق وفي غيرها من الكليات، على أن يُعاد طرحها وفق ضوابط قانون 24 لسنة 1996 في شأن منع اختلاط الطلبة.
هذا القرار أثار جدلاً واسعاً بين الطلبة والمواطنين. وشاب هذا الجدل الكثير من المغالطات المقصودة والعفوية، النابعة عن عدم الاطلاع على كامل خلفيّات وأبعاد القرار واللجنة. لذلك، سأشير في هذا المقال إلى آراء مراقبين سياسيين في شأن ثلاث جزئيّات مرتبطة بهذه الخلفيات والأبعاد.
الجزئية الأولى، هي أن مجلس الأمّة الحالي عاد إلى توظيف أساليب وحيل نجعت ممارستها في العهد قبل السابق، بالتحالف أو بالتنسيق مع الحكومة. فعلى سبيل المثال، لجأ المجلس الحالي في الربع الأول من مدته الدستورية إلى حيلة مارسها في الربع الأخير من عمره أوّل مجلس أمّة بعد التحرير، مجلس 1992.
فهذان المجلسان اللّذان انتخبا وشُكّلا في بداية مرحلة جديدة، بطموح شعبي كبير، لجآ إلى إشغال الشعب بقضايا جدلية، ظاهرها أخلاقي، للتستر على التقصير والفشل في تنفيذ وتحقيق الوعود الانتخابية الطموحة. فمجلس 1992 لجأ إلى تشريع قانون منع الاختلاط، والمجلس الحالي لجأ إلى إنعاشه بعد أن مات سريرياً، في عام 2015، عند صدور حكم المحكمة الدستورية في شأن القانون. المراد أن قرار إلغاء الشعب المختلطة هو الثمرة الأولى لتجديد تحالف الحكومة مع اللجنة وما تمثّله من تيارات نيابية.
وأما الجزئية الثانية، فهي أن اللجنة بالإضافة إلى الدعم الحكومي تتمتّع بإسناد من معظم النوّاب، من مختلف التوجهات والأطياف، تماما كما كانت لجنة «الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع الكويتي» (الاسم الأسبق للجنة تعزيز القيم) تتمتّع في مجلس 2008 بدعم حكومي ونيابي، مكّنها آنذاك من الصمود أمام موجات الاعتراض الواسعة على تجديد تشكيلها.
الشاهد أن لجنة تعزيز القيم – في المجلس الحالي – لجنة «سيادية» وقراراتها مُحصّنة، لن تُلغى باحتجاجات الطلبة والنشطاء ولا بالتحرّكات النيابية المتدنية والمتوسّطة، من قبيل تقديم اقتراح بقانون لتعديل مواد قانون منع اختلاط الطلبة.
وبالنسبة للجزئية الثالثة، فهي متعلّقة بما صرّح به رئيس اللجنة السيادية في لقائه الأخير مع برنامج «نبض اللجان» في تلفزيون المجلس. حيث أكّد أن اللجنة أبدت في الاجتماع ذاته انزعاجها من «سلوك بعض أساتذة الجامعة وما يبدونه من أفكار أحياناً تخالف قيم وعادات المجتمع الكويتي وتخالف الشريعة وحتى تخالف القوانين».
المراد أن اختزال تحركات اللجنة في حدود فصل الطلاب عن الطالبات، يتعارض مع كل من التصريح أعلاه ومساعي اللجنة في المجالس السابقة والمذكّرة الإيضاحية لقانون منع اختلاط الطلبة، وتحديداً الجملة «ومشروع القانون بصيغته المقترحة يُعبّر – بصدق – عن توجّه الدولة في السعي إلى التطبيق الكامل لأحكام الشريعة الإسلامية في جميع أوجه الحياة». ولذلك، هذا الاختزال الخاطئ يُرجّح أن يكون مقصوداً، بغرض رفع الحرج عن النوّاب المتقاعسين عن التصدّي لمشروع هذه اللجنة السيادية.
كلنا مع تعزيز الحشمة بين الطلبة، بل في عموم المجتمع. ولأنّنا نعلم أن فصل الطلّاب عن الطالبات ليس بديلاً عن مشروع حضاري متكامل لغرس القيم الأخلاقية النبيلة في المجتمع، خصوصاً بعد انتشار الموبايلات الذكية التي تسمح بالاتصال المرئي الثنائي والجماعي؛ لذلك نتساءل لماذا لم تطالب لجنة تعزيز القيم – في المجالس الحالية والسابقة – وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والأمانة العامة للأوقاف بتنقيح أنشطتها وفعالياتها لتشارك بالدرجة المطلوبة في ترسيخ الحشمة وسائر القيم الأخلاقية النبيلة في المجتمع؟ ولماذا لم تطالب اللجنة وزارة الشؤون الاجتماعية وشؤون الأسرة والطفولة بتقويم إشرافها على جمعيات النفع العام المعنية بالإصلاح الاجتماعي لتساهم أكثر في غرس القيم الأخلاقية النبيلة في المجتمع؟... اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com