كثيراً منا سمع العبارات التالية: (انت ضعيف كأنك مسطرة، انت دب، خصرك كأنه دوار الجوازات... انت تُشبه........... (اسم أحد الحيوانات)....صوتك كأنه.........(كلمة جارحة) عبارات كثيرة تُقال بصورة سخرية، الهدف منها نفث كل مشاعر الغيرة والغلّ الداخلية عند الشخص بصورة ضحك، وهي من وجهة نظري من أجبن أساليب التعبير، فهي وإن اتفق الكثير على أنها مهاراة الأذكياء. أنا أختلف معهم واصنفها بأنها مهارة الجبناء الذين عجزوا عن كبح مشاعرهم المشوهة والملغمة بالشر. وأعادوا صياغتها بأسلوب ساخر ليخرجوها على السطح.
الهدف من كل ذلك الشعور بالراحة من خلال تفريغ الشعور الكامن الذي لا يُمكن أن يُقال إلّا بأسلوب ساخر ومزعج، وبالطبع مشاعر المتلقي مشاعر غير مهمة، ولا يُمكن الاكتراث بها وإن حاول المتلقي أن يوقف الساخر عند حده يتم الهجوم عليه بعبارات أخرى انت يا... شدعوه غشمرة، شفيك ما تتحمل، كلنا ينقط علينا فيدخل الشخص المتلقي بدوامة شعورية بين رفض عقله وجسمه وكرامته لما يُقال عنه، وبين تشكيك الناس بصحة هذه المشاعر أو حقيقتها، ثم أهلا بالضياع النفسي الذي يبدأ بالتشكيك، فكلما زاد التشكيك بصحة ما تشعر زاد التشوّه الشعوري فيصبح الفرد لا يعلم هل الكلمة توجع أو لا، هل لابد أن اخذ موقف أو لا، هل أنا كذلك أم لا؟. ناهيكم أنه مع الوقت، المتلقي ذاته (أو المسخور منه) يصبح ملك الغشمرة والقطات والتجريح، لأنه انضم لقطيع شفيك لا تكبر المسأله كلها غشمرة.
عزيزي القارئ، الغشمرة كذبة، السخرية وسيلة يخبرونك من خلالها ما يشعرون تجاهك أو تجاه أمر ما، وهي مشاعر حقيقية ليست كذباً بل هي حقيقية جداً جداً، لحد يخاف صاحبها الاعتراف بها بشكل مباشر فيلجأ للطرق الملتوية لإخراجها بشكل يرضيه. لا تسمح لأحد أن يهينك أو يضحك الناس عليك أيّاً كانت منزلته في حياتك فهذه حدودك النفسية، التي من حقك أن تحافظ عليها وتحميها. ومن واجب الجميع أن يُقدّرها ويحترمها.
فمكانتك أنت تصنعها أمام الناس وأمام نفسك، وتذكر أن الأخلاق هي صفة أساسية للإنسان السليم نفسياً والمسالم اجتماعياً، وانتبه أن كلمة قد تقولها بغشمرة أو سخرية قد تقود شخصاً للانتحار أو اتخاذ قرار خاطئ كردة فعل أو البكاء ليلاً، أو سلب تركيزه نتيجة تفكيره بما تلفظت به ثم كل ما فعلته، صدقني سيعود عليك يوماً ما بالأثر النفسي ذاته الذي فعلته.
ما سبق ليس دعوة للخلق فحسب بل تذكير بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ * عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ﴾
وأخيراً، ما سخرت منه يوماً سيعافيهم الله منه، ويبتليك! استعد أيها الساخر.
تحياتي