رأي قلمي

سبتمبر شهرٌ لا ينسى...!

تصغير
تكبير

إن كان للبحر نهاية، وللسماء غاية، حينها ينتهي الحديث عن والديّ، سأظل أتحدث عن مناقبهما في كل دقيقة وساعة، وأكتب عنهما سبتمبر تلو الآخر ما حييت، لن ولم أوفيهما حقهما، ما صنعاه أكبر وأعظم من كل الأحرف والكلمات، ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً، واغفر لي كما بررت بهما كبيراً، ولا تحرمني أجرهما، واجبر كسر قلبي وخاطري بفقدهما، فقدت والدتي في «سبتمبر 2005»، وفقدت والدي في «سبتمبر 2010»، عليكما مني السلام، وأقول لكما مازلت على العهد باقية، ولن أنساكما ما دمت فوق الأرض أحيا.

لن أنساكما ما دمت فوق الأرض أحيا... عندما تعاني غالبية الناس من الأزمة الأخلاقية ويتراجع لديها الحس الإنساني، ويكثر الزيف، نحن يرتفع لدينا ذلك الحس، ونتجنب الزيف، ونبتعد عن التناقض، ونكون نحن أينما كنّا سواء في خلواتنا أو أمام الناس، والفضل يرجع لأم وأب كانت تربيتهما لنا تربية رشيدة، تربية توافر الأفكار والأساليب والأدوات التي تساعدنا ونحن في سن الطفولة على الاستعداد للعيش وفق مرضاة الله - سبحانه وتعالى - ومنهجه القويم، وكنّا على استعداد لخوض معارك الحياة بكفاءة واقتدار.

أتحدث عن نفسي وكنت أصغر طفلٍ في الأسرة، استقيت من والديّ ومن إخواني وأخواتي اللاتي يكبرنني ملخص تجاربهم وخبراتهم، وتعلمت من أمي وأبي بأنه لا بد أن تكون لي بصمة قوية في حياة أسرتنا الصغيرة، وعائلتنا الكبيرة، وفي المجتمع. كنت مادة خام شديدة السيولة، شكلوها وقولبوها، وأعادوا صياغتها بقيم ومبادئ وقناعات أسرية واجتماعية بامتياز.

علموني كيف أحترم وأقدر الكبير حتى وإن كان سيئ الخلق، وأحترم معلمي سواء كان معلمي في الحياة أو معلمتي في المدرسة حتى وإن قسوا عليّ، اهتم والدي بعلاقات القرابة، ورسخ فيّ صلة الأرحام حتى وإن كانوا لا يستحقون التواصل. عاشوا في زماني بكفاءة واستقامة، واستفادوا من معارف وخبرات زماني، الحمدلله لم يكونوا أسرى للأساليب التربوية الموروثة، ولا التجارب التربوية الناجحة ذات الطابع الفردي، رغم تعليمهم المتوسط إلا أنهم كانوا يثقفون أنفسهم بالاعتماد على المصادر المعرفية البسيطة، وعلى خبراتهم وخبرة من سبقهم من الناس الموثوق بهم، حرصوا على الثقافة التربوية المشتملة على الأفكار والخبرات، التي تساعدهم على بناء شخصيتي على مستوى المعتقدات والتصورات والقيم والسلوكيات.

غالباً ما يكون منزلنا ثريا بالكتب، المجلات، القصص، الحكايات، والألعاب، كل ما نطلبه يُوفر إلينا عاجلاً، كان والداي كريمين سخيين في الأمور المادية والمعنوية، لم يبخلا عليّ بشيء من حب واحترام وتقدير وأمان واستقرار وإنصاف وألعاب وترفيه، كل ما أطلبه مجاب وإن كان في ليلة ظلماء، وكل ما يتم تلبيته يكون بتوسط وتوازن واعتدال من دون تفريط أو إفراط. تعلّمت منهما كيف أفرق بين الخطأ والصواب واللائق وغير اللائق، نتبادل الاحترام والثقة، وعندما كبرت واعتمدت على نفسي أصبحنا نلبي احتياجات بعضنا، نلعب ونداعب بعضنا أحيانا كثيرة، نستمع ونحاور بعضاً من دون قلق وتوتر، رسخا وعمقا فيّ قيمة الإحسان وخدمة الآخرين، دائماً توصيني والدتي في الحضر والسفر على مساعدة الآخرين بحمل أمتعتهم عنهم، أو قضاء حاجة، أو جلب مصلحة لهم، كنّا نساند بعضنا بالأفراح والأحزان، ونراعي الضعيف منّا. تربيتهم منهج نموذجي يدرس للأجيال المتعاقبة.

لن أنساكما ما دمت فوق الأرض أحيا...

M.alwohaib@gmail.com

@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي