غريب فعلاً ما من إنسان قائم في مجتمع من هذه المجتمعات البشرية داعياً إلى ترك ضلالة من الضلالات إلا وقد أذن نفسه بحرب لا تخمد نارها ولا يخبو أوارها حتى تهلك تلك الضلالة أو يهلك هو دونها؟
لذلك كان الدعاة إلى الإصلاح في كل أمة أعداءها وخصومها لأنهم يحولون بين الناس وشهواتهم وأهوائهم... فهؤلاء المخلصون لا يبالون أن يسميهم الناس في وسائل الإعلام المأجورة خونة أو ضالين، أو جهلة أو يعيشون خارج إطار الزمان والمكان لأن هذه باختصار سُنّة الله تعالى في المصلحين مثلما قال ورقة بن نوفل رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عُودي وطُرد.
كما أن المخلصين من أبناء الكويت يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم عاش بين أعدائه ساحراً كذاباً صائباً فلما مات مات سيّد ولد آدم....
كما يعلمون أن أبا بكر الصديق آذوه قومه ورفضوه ولكنه ثاني رجل يدخل الجنة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. وأن الإمام الغزالي قد اتهم بالإلحاد ولكنه مات حجة الإسلام! والإمام ابن حزم الأندلسي وابن خلدون تركا حياة القصور وأسس ابن حزم مذهباً أتباعه بالملايين كما أسس ابن خلدون قواعد نظرية في علم الاجتماع مازالت تُدرّس في كبرى الجامعات! والإمام البخاري طُرد من مسقط رأسه وسارت الركبان بالوشاية به وبعقيدته ولكنه مات إمام المحدثين في زمانه ومازال...
سيقول السفهاء من الناس وما يُغني الداعي دعاءه في أمّةٍ لا تُحسن به ظناً ولا تسمع له قولاً؟ إنه يضرّ نفسه من حيث لا ينفع أمّته فيكون من أجهل الناس؟
هذا ما يوسوس به الشيطان للعاجزين أو المتمحورين حول ذواتهم من السياسيين وهذا هو البلاء الذي ألمّ بنفوس كثير من المختصين فأسكت ألسنتهم عن قول الحق في مؤسسات الدولة لأنها محكومة بشللية الأحزاب والطوائف وحبس تطلعاتهم للإصلاح عن الانطلاق في سبيل التجديد والارتقاء، فأصبحوا لا عمل لهم إلا أن يكرروا للناس ما يعلمون ويعيدوا عليهم ما يحفظون! فجمدت الأذهان وسكنت المدارك واختفى التعليم الذاتي المستمر وأصبحت العقول في سجن مظلم لا تطلع عليه الشمس ولا ينفذ إليه الهواء والضياء! والحقيقة أن الفساد عندنا لا يستطيع أن يصرع الباطل في ميدان لأن الحق وجود والباطل عدم، وإنما يصرعه سكوت المخلصين وانزواء العلماء عن واقعهم... المصلحون عندنا كثيرون ملء الفضاء ولكن لا يكاد يوجد بينهم داعٍ واحد شجاع، فأصحاب الصحف والمغرّدون والسياسيون والمؤلفون وأصحاب القنوات الفضائية وخطباء المجامع والمنابر كلهم يدعون إلى الحق وكلهم يعظون وينصحون ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولكن لا يوجد بينهم من يستطيع أن يحمل في سبيل دعوته ضُرّاً أو يلاقي في طريقها شرّاً، وفيما أظن وأعتقد أن الأغلب في دعاة الإصلاح السياسي - المزعوم - اليوم أحد أربعة فهو ساكت طول حياته لا ينطق بخير ولا شر أو رجل يعرف الحق وينطق به ولكنه يجهل طريق الحكمة والسياسة في دعوته فيهجم على النفوس بما يزعجها وينفّرها.. والثالث رجل لا يعرف حقاً ولا باطلاً، فهو يخبط في دعوته خبط الناقة العشواء في سيرها فيدعو إلى الخير والشر والحق والباطل والضار والنافع في وقت واحد!! فكأنه جواد امرئ القيس الذي يقول فيه:
مكرٍّ مفرٍّ مقبل مدبر معاً
كجلمود صخر حطه السيل من علِ؟؟
ورجل يعرف الحق ويدعو الأمة إلى الباطل دعوة المُجدّ المجتهد فهو صاحب هوى قد فتنه هواه يرى أنه لا يبلغ غايته إلا إذا أهلك الأمة في سبيله... فليت شعري من أي واحد من هؤلاء الأربعة ستستفيد الأمة من الإصلاح وتنهض من كبوتها... فما أشدُّ بلانا حيث أصبح دعاتنا في حاجة إلى دعاة يعلّمونهم كيف يكون الصبر والاحتمال... وياليت شعري متى يتعلمون؟ ثم متى يرشدون؟