رؤية ورأي

حمدان العازمي وجيب الحكومة

تصغير
تكبير

الجلسة الخاصة التي عقدها مجلس الأمة في 18 يوليو الماضي لمناقشة برنامج عمل الحكومة للفصل التشريعي الحالي (2023-2027)، أظهرت حقيقة التوافق وطبيعة الشراكة بين المجلسين الوزراء والأمّة. فالحكومة أعدّت وقدّمت برنامجها وفق أولويّاتها متجاهلة أولويّات برلمانية، والنوّاب أعلنوا صراحة في الجلسة انتقاداتهم وتحفظاتهم على البرنامج، والحكومة رحّبت بها بمداخلتين ظاهرهما القبول وباطنهما التسويف، وشريحة واسعة من الشعب ما زالوا متفائلين بالتوافق الظاهري بين المجلسين ومتأمّلين خيراً بمخرجات شراكتهما الاستحواذية.

في هذه الجلسة، تعرّضت الحكومة إلى قصف عنيف ونيران كثيفة صديقة: بين مطالبات بسحب البرنامج لأنه إنشائي ومُتناقض مع نتائج الانتخابات الأخيرة، وبين اعتراضات على بعض بنوده ومشاريعه كالدَّين العام وفرض الضرائب وزيادة الرسوم، وبين مطالبات بإضافة وإلحاق محاور وأولويّات برلمانية تجاهلتها الحكومة كمحور الإصلاح السياسي وأولوية زيادة أجور الموظفين والمتقاعدين.

وفي الجلسة ذاتها، تميّز النائب حمدان العازمي عن زملائه في أنه لم يكتفِ بقصف الحكومة، في مداخلته الهجوميّة المعاكسة للاجتياح الحكومي، بل أطلق طلقات تحذيرية ضوئية كشفت مواقع النوّاب من اختراق الحكومة حدودي التوافق والتعاون مع المجلس. حيث تساءل في مداخلته «هل الحكومة على هالبرنامج هذا تبي توصل رسالة أن هذا المجلس في جيبها؟»، كما أنه أوضح أن برنامج عمل الحكومة الحالية أسوأ من برنامج الحكومة السابقة، بسبب إلغاء محور الإصلاح السياسي عن البرنامج الحالي. ثم خلص وانتهى إلى أن غرض الحكومة الأساس من تقديم برنامجها الحالي هو إحراج المجلس.

من أجل توضيح موقع المجلس الحالي من جيب الحكومة، لابد من الإشارة إلى التوصية الرائعة التي وافق عليها المجلس، بعد الانتهاء من مداخلات النوّاب حول برنامج عمل الحكومة، وتحديداً البند الثالث من التوصية الذي ينص على أن تُقدّم الحكومة «الرد كتابة على ما ورد في مداخلات واستفسارات وملاحظات وتعديلات النوّاب، وتتعهد بأخذها بعين الاعتبار، وذلك خلال أسبوع من تاريخه».

يرى مراقبون سياسيون، أن مجلس الأمّة بهذا البند تجاوز الحدود التي رسمتها الحكومة للتوافق القائم بين المجلسين. فموافقة المجلس على البند – وإن كان ضمن توصية – دلالة على إصراره على تنقيح برنامج عمل الحكومة ومؤشّر على نيّته الاستمرار في متابعة ومراقبة وتقويم إجراءات التنقيح الحكومية. وهذا مستوى أداء نيابي أعلى من المستوى الذي تقبل به الحكومة، مستوى سقفه الانتقاد اللفظي العنيف للحكومة.

وهذا التشخيص يُفسّر الطلب الذي قدّمه وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة عيسى الكندري، بعد موافقة المجلس على التوصية، بأن تُرسل ملاحظات النواب إلى الحكومة مكتوبة وبشكل رسمي من المجلس. وهو طلب مفاجئ لأن زميله وزير المالية سعد البرّاك كان قد صرّح – قبل الاستماع إلى مداخلات النواب – أن فريقاً حكومياً سوف يُسجّل ويرصد جميع ملاحظات النواب.

ويرى مراقبون سياسيون أن المجلس أدرك انزعاج الحكومة من التوصية، بعد الموافقة عليها، ولذلك ميّع ثم تخلّى عن التوصية. التمييع حصل بعد دقائق من إقرارها، حين تجاهل الرئيس السعدون والمجلس طلب تمديد المهلة الذي قدّمه الوزير البرّاك.

والتخلّي تأكد بعد انتهاء مهلة الأسبوع، في جلسة 25 يوليو، حين استفسر النائب حمدان العازمي عن الموعد المتوقّع لتسلّم ردود الحكومة (على ما جاء في مداخلات النوّاب في شأن برنامج عملها). حيث قاطعه الرئيس أحمد السعدون، بالقول إن ملاحظات النوّاب أرسلت إلى الحكومة، ولم يجب عن التساؤل المكرر من العازمي في شأن المهلة وموعد تسلّم ردود الحكومة. فأُقفل التساؤل من دون إجابة، لأن العازمي لم يلق إسناداً من زملائه.

لذلك، نحن اليوم في أمَسّ الحاجة للدعاء... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه»

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي