الاستراتيجية الفريدة استندت إلى 6 محاور واستغرق تنفيذها 20 عاماً وحققت نتائج مُبهرة
الحرب على المخدرات.... هل يمكن تطبيق «نموذج أيسلندا» في الكويت ؟
- ركائز تجربة أيسلندا
-1 الإقرار بالمشكلة
-2 إعطاء أدوار لكل مؤسسات الدولة
-3 إشراك الشباب وأسرهم في استراتيجية المواجهة
-4 التركيز على حالات التعافي الناجحة
-5 توفير بدائل للشباب
-6 إدماج النوادي المجانية في المنظومة التعليمية
في وقت تخوض الكويت ومعها دول المنطقة والكثير من دول العالم حرباً شرسة ضد تجارة المخدرات، التي باتت أحد أكبر التهديدات التي تستهدف شرائح مختلفة، على رأسها الشباب والمراهقون، دعت أصوات كويتية متخصصة إلى الاستفادة من تجربة أيسلندا، التي نجحت في تحويل هذا البلد الاسكندنافي من دولة وصلت فيها نسبة الإدمان بين المراهقين إلى 57 في المئة، إلى دولة أصبحت فيها النسبة 7 في المئة، بعد 20 سنة من تنفيذ الخطط طويلة الأمد.
وأوضح المتخصصون أن تلك التجربة قامت على 6 محاور شملت «الاعتراف بالمشكلة، وقناعة كل مؤسسات الدولة بالمواجهة، وإشراك المراهقين وأسرهم في استراتيجية المواجهة، والتركيز على الحالات الناجحة في التعافي، وتوفير بدائل مفيدة للشباب، وإدماج نوادي الشباب المجانية في المنظومة التعليمية بنفس أهمية المدرسة (وتكون اختيارية وليست إجبارية)».
وشددوا على أن الأساس بالتعامل مع الأسباب وليس فقط مع النتائج، إذ إنه بالتوازي مع الحرب المستمرة على تجار السموم الذين يستهدفون جيل الشباب، يجب البحث عن مشاغل هؤلاء الشباب ومعرفة هواجسهم وأسباب قلقهم، والتعامل معها بخطط طويلة الأجل، وهو ما يضمن ابتعادهم عن المؤثرات العقلية، وعدم لجوئهم إليها ظناً منهم أنهم يحلون مشكلاتهم.
ولفتوا إلى أن نجاح التجربة الأيسلندية ارتبط بعوامل متعددة، استناداً إلى مفتاحين أساسيين: الأول يتمثل بالاعتراف بالمشكلة وتشخيص أسبابها من خلال حوار شفاف وصريح مع الشباب، والثاني إقناع الشباب بسوء هذا الخيار ووجود خيارات أخرى يمكنهم من خلالها تفريغ طاقاتهم.
غنيمة حبيب: الوقاية خير من العلاج... ومواجهة المشكلة مسؤولية مجتمعية
اعتبرت استشاري علاج الإدمان بمركز نجاحات للاستشارت النفسية والاجتماعية غنيمة حبيب كرم، في تصريح لـ«الراي»، أن «القضاء على مشكلة المخدرات أو التقليل من مخاطرها هي مسؤولية مجتمعية، ولن تحل إن لم يتعاون جميع أفراد المجتمع لحل هذه المعضلة التي يعاني شبابنا وفتياتنا منها، بحيث أصبحوا فريسة سهلة لتجار المخدرات».
وتطرقت إلى مبادرة «تكاتف»، التي حصلت على ملكيتها الفكرية في العام 2017، وتمحورت حول ثلاث مراحل لحماية النشء من اتباع السلوكيات الخطرة، وتشمل 3 محاور كبرى:
1 - الوقاية
نظراً لأهمية الوقاية ودورها في حماية الأفراد والمجتمع من خطورة الإدمان، لا بد من الأخذ بمجموعة من الأهداف لتحقيق استراتيجية تعمل على تحصين الفرد وتزيد من تماسكه الداخلي، لتجعله قادراً على مواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، فللفرد والوالدين والأصدقاء والمدرسة والتوجيه التربوي الدور الكبير في الوقاية وذلك من خلال 8 استراتيجيات، هي:
1 - تعزيز الإحساس لدى الفرد بقدرته على مساعدة نفسه، وبث الثقة وفتح مجال لتنمية مهاراته الحياتية.
2 - توفير بيئة وقائية داخل البيت لبناء ثقة الطفل بنفسه وبناء علاقات قوية داخله.
3 - تثقيف الفرد بالسلوكيات الخاطئة، كالعنف والخجل.
4 - إقناع الفرد بخطورة التعاطي، بالمناقشة والحوار وعمل دورات توعية عن الكحول والمواد المخدرة.
5 - مساعدة المدرسين على اكتشاف السلوكيات الإدمانية ومواجهتها بمناهج الوقاية.
6 - بث الثقة وفتح مجال التجربة لتنمية المهارات الحياتية لديه.
7 - التعاون بين المدرسة والوالدين لتشجيع الطلبة على الاشتراك في اللجان المدرسية ومساعدة الآخرين من أقرانهم.
8 - خلق سياسة الثواب والعقاب.
وشددت على دور «التماسك الداخلي الشخصي والاجتماعي، والإعلام، وتعديل اللوائح والتشريعات القانونية، في الوقاية من خلال برامج التوعية الروحية والثقافية»، مطالبة بـ«توفير برامج وقائية مكثفة لدى كل من الأسرة والمجتمع، ليس على مستوى الأفراد، بل على مستوى العمل المؤسسي القائم على الأسس العلمية المدروسة، وإشراك المدرسة ووسائل الإعلام بكل أنواعها في بث المعرفة الوقائية على مستوى واسع، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وتكاتفها مع مؤسسات الدولة، وذلك ضمن استراتيجية واضحة ورؤية متكاملة من كل الجوانب، والبحث اجتماعياً عن عوامل من شأنها الحد من مؤثرات المشكلات الأسرية التي تكون غالباً منبعاً لسعادة الإنسان أو تعاسته».
وشددت على أهمية «مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني التي ينبغي لها أن تكون ذات فاعلية واضحة ومحددة في الإسهام في بناء الفرد وتعزيز تماسكه وكيانه الخاص، وألا يقتصر دورها على جانب التوعية النظرية فقط، بل لابد من الجانب التطبيقي من خلال البرامج والنشاطات والفعاليات التي تعزز من تماسك الفرد الداخلي».حوافز
ويتضمن محور الوقاية 4 أنشطة تحفيزية، هي:
1 - غرس الأشجار والاعتناء بها، لا أن نقول لهم بأن الأشجار مفيدة للبيئة فحافظوا عليها.
2 - أن نوكل للأبناء مهمة المحافظة على نظافة مقتنياتهم الخاصة.
3 - توفير البيئة المناسبة لهم ليصلوا إلى الحقائق بأنفسهم، لا أن نلقنهم إياها من دون إجراء عملي يؤدي إلى الفهم والاستيعاب والتفاعل.
4 - حثهم على البحث عن الحلول بأنفسهم تحت الإشراف والمراقبة.
تفريغ الطاقة
شددت حبيب على أنه «يتوجب علينا أن ندعم بناء الشخصية لدى شبابنا، من خلال ما يسمى ببرامج تفريغ الطاقة، حيث يمتلك الشباب طاقات عملاقة، وإن لم يتم توظيفها بشكل إيجابي، فمن الطبيعي أن تتجه إلى التفريغ السلبي، والعادات السلوكية الخاطئة، لذلك يجب استثمار طاقات هؤلاء الشباب في تقديم مساعدات فعلية وحقيقية لتطوير مجتمعاتهم وحل مشكلاتهم، وبناء علاقة بين الفرد والبيئة».
مهارات تعزيزية
يضاف إلى ذلك، ضرورة تعزيز مهارات الفرد عبر الخطوات التالية:
1 - التمتع بسمة الإيثار والتضحية والمبادرة.
2 - القدرة على اتخاذ القرارات والتحكم بالذات.
3 - القدرة على تكوين الصداقات والعلاقات الإيجابية مع الأفراد.
4 - امتلاك الأهداف والسعي لتحقيقها.
5 - تعزيز قيمة العمل التطوعي.
6 - فتح المجال للمشاركة بالرأي والتشجيع على الحوار.
2 - العلاج ولفتت حبيب إلى أنه «في هذه المرحلة يجب أن تكون جهود الدولة والأسرة والمدرسة ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني متكاتفة ومتعاونة لمساعدة المدمن لتخطي هذه المرحلة كل بمجاله ودوره، عن طريق العلاج مع فريق متخصصين بأساليب علاجية نفسية واجتماعية وسلوكية دولية متطورة».
3 - المتابعة
وتحدثت حبيب عن تلك المرحلة، قائلة «هي مرحلة المتابعة (منع الانتكاسة)، ونقصد بها برنامجاً نضع به المريض تحت المتابعة المستمرة، مع متخصصين وأطباء ومتخصصين نفسيين واجتماعيين وسلوكيين وغيرهم من ذوي الكفاءة والدراية والخبرة العالية بهذا النوع من الأمراض، ليعمل معهم ببرامج مناسبة، فضلاً عن دور الاعلام وأهمية تعديل القوانين والتشريعات لتتناسب مع طبيعة المرض وسمات وأهمية السماح للقطاع الاهلي لفتح المصحات في الكويت. ودعوتي للجميع لنحفظ أنفسنا وأبناءنا ومجتمعنا من مخاطر المخدرات بالوقاية التي هي خير من العلاج والتداوي».
عبدالله المري: التجربة الأيسلندية نجحت بسبب اهتمامها بالأسرة
قال الدكتور جميل عبدالله المري، المتخصص في علم الاجتماع وشؤون العلاقات الأسرية، في تصريحات لـ«الراي»، إن «دائرة المخدرات مفرغة بسبب صعوبة العلاج»، لافتاً إلى أن «مكافحة المخدرات مسؤولية مشتركة مجتمعية يشترك فيها جميع الأطراف (الأسرة والدولة ومؤسساتها)».
وعن أسباب التعاطي، قال إن «الأسر تتعامل مع الأبناء بشدة وقسوة وأوامر أو بتسيب وعدم إرشاد وغياب توجيه وإفراط في الدلال من دون حساب، والصحيح هو الأسرة الوسطية»، مشيراً إلى أنه «من المعروف أنه يحدث تغير هرمونات للأبناء والبنات في سن البلوغ، فالشاب يرى نفسه رجلاً بمجرد أن يخشن صوته والبنت ترى نفسها امرأة كاملة عند البلوغ، ومن ثم يجب السماع لهم من دون أن نعطي أوامر لكن مع المراقبة والمتابعة».
واعتبر أن «التجربة الأيسلندية نجحت بسبب اهتمامها بالأسرة ودورها في احتضان الأبناء»، موضحاً أن «الفئة العمرية من 13 إلى 19 سنة من أخطر المراحل، لأن الشاب يريد أن يُجرّب فيها كل ماهو ممنوع، وفي العادة فإن كل ممنوع مرغوب، كما أن الوفرة المادية، ووجود المخدرات بأسعار ليست باهظة الثمن مثل الشبو والفراولة والكيميكال بأسعار تقارب الخمسة دنانير، من الأمور التي زادت الطين بلة».
ولفت إلى أن «أرقام المتعاطين والمدمنين هائلة وأعداد من يرحل بسبب الجرعات الزائدة تزداد، ولا تستوعب مراكز التأهيل هذه الأعداد»، مشيراً إلى أنه «لا ضير أن يكون هناك عيادات للعلاج بمقابل، فهناك تجارب ناجحة للقطاع الخاص في مصر والمملكة العربية السعودية ونحتاج لمؤسسات أهلية متخصصة، مع الأخذ في الاعتبار أن العلاج مكلف وقد يصل لألف دينار في الشهر من أجل وضع بروتوكول بعد التعافي».
6 في المئة من البشر... متعاطون
بحسب آخر الأرقام للعام 2020، هناك 284 مليون متعاطٍ حول العالم، تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة أي ما يشكل نحو 5.6 في المئة من سكان الأرض.
8أعراض للإدمان
1 - زيادة غير مبررة في الإنفاق
2 - ارتكاب جرائم
3 - الرجفة
4 - عدم الوفاء بالالتزامات
5 - صداع مزمن
6 - احمرار واتساع وسواد تحت العينين
7 - فقدان أو زيادة الشهية
8 - اضطرابات النوم
50 في المئة
أظهرت دراسات حديثة أن «الأسر المترابطة تقلل تعاطي الأولاد بنسبة 50 في المئة».
9 من كل 10... مراهقون
بينت إحصاءات عالمية أن «تسعة من كل عشرة بدأوا تعاطي المخدرات في مرحلة المراهقة».
خالد الصلال: فوارق بين المُتعاطي والمُدمن
رأى الخبير الأمني العميد المتقاعد خالد إبراهيم الصلال لـ «الراي»، أنه «لكي نتعامل مع الحالات التي تتعاطى المخدرات يجب علينا أن نفرق بين المتعاطي والمدمن، وعلى الرغم من التشابه والارتباط بين التعاطي والإدمان إلا أنهما ليسا شيئاً واحداً، من حيث العلامات الجسدية أو السلوكيات أو الأعراض النفسية».
ولفت إلى أن «المدمن هو الشخص الذي يتعاطى نوعاً واحداً أو مزيجاً من المواد المخدرة بانتظام، ويطور جسده قدرة على تحمل المخدر، وأصبح يعاني من أعراض انسحاب مزعجة عند التوقف عن التعاطي أو تأخر موعد الجرعة»، مشيراً إلى أن «علاج المدمن يتضمن سحب السموم من الجسم، إضافة إلى بروتوكول دوائي يناسب حالة المريض، مع إعادة التأهيل النفسي والسلوكي لضمان نجاح التعافي، أما المتعاطي فهو شخص يتعاطى المخدر على فترات بعيدة، على سبيل المثال يتعاطى الشخص الحشيش في المناسبات فقط، لذلك لا يطور جسده تبعية للمخدر، ولا يعتمد عليه بشكل يومي لكي يقوم بأنشطته الطبيعية، وعند انتهاء مفعول المخدر لا تظهر أعراض انسحابية مزعجة».
وشدد على أن «المتعاطي لا يحتاج إلى علاج في كثير من الأحيان، لكن تفادياً لتحوله إلى مدمن، يفضل اللجوء إلى طبيب علاج إدمان، حيث يمكن استخدام بعض الأدوية البسيطة لمقاومة الرغبة في المخدر، إضافة إلى العلاج النفسي قصير المدى».
أسباب تعاطٍ متعلقة بالفرد
• السهر خارج المنزل
• توافر المال بكثرة
• الهموم والمشكلات الاجتماعية
• الرغبة في السهر
• حب التقليد
• ضعف الوازع الديني
• مجالسة أو مصاحبة رفاق السوء
• الاعتقاد بزيادة القدرة الجنسية
• السفر إلى الخارج
• الشعور بالفراغ.
أسباب تعاطٍ متعلقة بالأسرة
• القسوة الزائدة على الأبناء
• تعاطي الوالدين أو أحدهما
• القدوة السيئة من قِبل الوالدين
• انشغال الوالدين عن الأبناء
• عدم التكافؤ بين الزوجين
• المشكلات والخلافات المستمرة بينهما أو انفصالهما.
أسباب متعلقة بالمجتمع
• توافر مواد الإدمان عن طريق المهربين والمروجين
• وجود بعض أماكن اللهو والمقاهي من دون مراقبة
• ضعف الدور التوعوي الذي تلعبه بعض الوسائل الإعلامية
• التساهل في استخدام العقاقير الطبية المخدرة وتركها بلا مراقبة
• غياب الدور التوعوي ورسالاته من بعض مؤسسات الدولة ومنها المدارس ودور العبادة.
ثورة أيسلندا
خلص الصلال إلى أن «التجربة الأيسلندية ناجحة جداً، وأتمنى أن يتم تطبيقها والاستفادة منها في جميع دول العالم، حيث انخفضت نسبة التعاطي لجميع أنواع المخدرات والخمور والتدخين إلى مستويات متدنية مقارنة بما كانت عليه قبل عشرين عاماً، حيث تشاركت الحكومة مع الشعب في ثورة أطلقوا عليها (أيسلندا خالية من المخدرات) بدأت أولى خطواتها بحوار وطني تصارح الجميع فيه وخلص إلى أن لدينا أزمة تعاطٍ بين شبابنا الذين نفقدهم، وبدأوا بتوزيع استبيان على كل مستويات الدولة وجميع مؤسساتها وعلى كل فئات الشباب في أيسلندا، وعندما تعرفوا على أسباب التعاطي من الشباب أنفسهم أوجدوا البدائل لهم، وهذا هو مفتاح الحل»، مشيراً إلى أنه جرى «التحاور معهم من دون إشعارهم بالدونية أو تخويفهم، بل من خلال تبيان أن التعاطي لا توجد منه فائدة بل ضرره أكبر بكثير من نفعه، وعلى الشباب أن يقتنعوا تماماً، ومرحلة الإقناع هي مفتاح آخر للحل وهي أن يتم استبدال النشوة التي يبحثون عنها من خلال التعاطي، بنشاطات ترفيهية مختلفة وهوايات تتناسب معهم ورغباتهم ويفرغون بها طاقاتهم».