حياة الإنسان قصيرة جداً، لا يمكن لأي إنسان اليوم، مهما طال عمره، أن يدرك تغيّرات الزمن. لكن من يقرأ التاريخ جيداً يمكنه أن يعيش تلك التغيّرات، اليوم نحن نعيش بداية التغيّر، تغيّر سينال القوة الغربية بمجملها.
القارة الأوروبية أو القارة العجوز لم تعد تملك قراراتها، الولايات المتحدة، شرطية العالم، اهتزّت الثقة بها، حتى أصدقاؤها لم يعودوا يثقون بقدراتها على الحفاظ على نهاية التاريخ.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية القرن الماضي بَشّرَ مفكرو الغرب أن التاريخ خضع لإرادة القوة الغربية، وبعد عقود بسيطة قامت روسيا التي تخلّت عن مستوطناتها الشرقية، قامت منفردة باحتلال سورية، وفرض أجندتها في الشرق الأوسط وهاجمت خاصرة أوروبا ولم تتأثر بصراخ الاتحاد الأوروبي وتهديداته، ثم اليوم تثور أفريقيا ضد المستعمر القديم ومع هذا كله تستمر هوليوود بالتطبيل لقوة تخسر كل يوم أرضاً لها، فهل أصبحت أميركا دولة السراب وأحلام اليقظة!، أحلام يتغذى عليها مفكرو الغرب بينما هناك قوى شرقية كالصين واليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة ودول الخليج العربي تمتلك اليوم مصادر الإنتاج وتتقدم بسرعة في التقنية وفرض أجندتها الاقتصادية، بينما اكتفت أميركا بتصدير الوجبات السريعة والترويج لحقوق المثليين والدفاع عن حقوق الطفل، ذلك الطفل الذي أهدروا أبسط حقوقه في النمو داخل أسرة طبيعية، أسرة طبيعية مكوّنة من أم وأب.
إن الولايات المتحدة اليوم تسير عكس التاريخ وإذا كان قادتها لن يعيشوا ليروا نهاية مرحلتهم فإن التاريخ يُكرر نفسه، وسوف تأتي أجيال قادمة من العالم الغربي يموتون غرقاً في المحيط الهادئ أو البحر الأبيض المتوسط من أجل الوصول إلى حضارة الشرق.
أما دولنا، دول الشرق الأوسط فستكون جسراً كعادتها في تحريك دولاب التاريخ ليدور دورته باتجاه الشرق.
كلما استمعت إلى الحوارات الناقدة في الولايات المتحدة زاد يقيني أنهم يتكلمون كثيراً ويفعلون قليلاً، وأن دولاب الزمن يسير بأسرع من قدراتهم على الفهم والإدراك، وحتى الأصوات العاقلة التي تُحذّر لم تعد تتكلم، كأنهم استسلموا لقدرهم المحتوم.
لن تنفع عمليات التجميل في إطالة العمر، فكل المؤثرات التاريخية لسقوط الدول تتوافر اليوم في العالم الغربي، هذا ما ذكره ابن خلدون في مقدمته حول بناء الحضارة وسقوطها والذي أثبت التاريخ أنه علم لا يقبل النقض، وأن ما سطّره ابن خلدون تم حدوثه مرات ومرات، وهو علم حقيقي قابل للتكرار كلما تكررت علاماته.
من يحاول أن يطيل عمر حضارة الغرب بالإعلام هو واهم، ومتى ما أدرك قادة بلادنا تلك الحقيقة فإنهم سيسحبون أيديهم من الخاسرين وسيمدّونها نحو الفائزين، الفائزون الذين سيكتب التاريخ معهم فصلاً جديداً لبداية التاريخ، بداية لم تحن بعد نهايتها.