رؤية ورأي

إلى الشيخ حمد سنان

تصغير
تكبير

بحكم موقعها الجغرافي، احتضنت أرض الكويت منذ القدم أطيافاً متعدّدة من الأعراق والمذاهب. لذلك اعتبر سكّانها الأوائل أن الوحدة الوطنية، الحاضنة للتعددية الثقافية والفكرية، ركيزة أساسية لتحصين الموطن والوطن وترسيخ الأمن والاستقرار وتنمية التجارة البحرية والبرّية.

لكن المفهوم «الأصيل» التعدّدي للوحدة الوطنية تشوّه كثيراً على مدى السنوات منذ نشأة الكويت إلى اليوم. وقد تكون أولى محطات التشويه هي مجلس الشورى في 1921، وقد تكون أشدّها ضرراً على المفهوم هي المجلس التشريعي الذي شُكّل في 1938. وقد تكون جميع محطّات التشويه مرتبطة بشكل أو آخر بالملفات السياسية المحلية والإقليمية.

القدر المؤكّد، هو أن النوّاب في المجمل لم يتبنّوا معالجة جذرية لمسلسل الفتن العرقية والطائفية، فلا وزير استجوب على خلفية تكرارها وعدم مقاضاة مثيريها، ولا قانون جديدا شُرّع لمعالجة القصور التشريعي، واستمرّوا على الوضع ذاته إلى أن صدر قانون حماية الوحدة الوطنية بمرسوم ضرورة (من دون موافقة مسبقة من المجلس) في عام 2012.

هناك خطوط حمراء لا يُسمح بتجاوزها، ويُشوّه ويُسقط كل من يَسعى «بجد وفاعلية» إلى تَخطّيها. لذلك تأخّر تشريع قانون حماية الوحدة الوطنية، إلى أن اضطرت الحكومة إلى تشريعه مُنفردة، إبّان الربيع العربي في الكويت، لمواجهة رموز وقيادات المعارضة الذين أفرطوا آنذاك في تبنّي خطابات الكراهية والتحريض الطائفية.

اليوم، بعد مرور ما يزيد على العقد من الزمان على إصدار القانون، وبالرغم من الغياب شبه التام للفتن العرقية والطائفية، نمر نحن الكويتيون بمرحلة خطيرة، تُجذّر خلالها الأحادية في مفهومنا للوحدة الوطنية. فمن جانب، من تبنّوا خطابات الكراهية والتحريض الطائفية إبّان الربيع العربي مازالوا يُصنّفون وطنيّين، بل يَمنحون شهادات الوطنية للآخرين ويلصقون تهم الطائفية على خصومهم. ومن جانب آخر، نجح هؤلاء ومن معهم من مُتبنيّي «وثيقة القيم» في غرس فقرات لأسلمة أحادية للقوانين في عدد من القوانين التي أقرّت في المجلس الحالي، من دون مقاومة معتبرة من قبل من أعلنوا مناهضة الوثيقة.

من جانب ثالث، المجتمع الكويتي - الحريص على الوحدة الوطنية - لا يعلم أو غير منزعج، في مجمله وبجميع أطيافه، من الأحادية الفكرية التشريعية التي تُرسخها أكثر فأكثر الاقتراحات بالقوانين المقدّمة إلى المجلس الحالي تحت عنوان تعزيز حرّية التعبير.

فعلى سبيل المثال، تجنّب النوّاب مقدمو الاقتراحات معالجة العيب التشريعي المكرر في مجموعة من القوانين، وهو العيب الناشئ عن التمييز الفئوي في صياغة القوانين التي استهدفوها في اقتراحاتهم، حيث امتنعوا عن اقتراح اعتماد التعريف الأشمل (من بين التعاريف الإسلامية) لـ «آل البيت» في تلك القوانين، أسوة باعتماد التعريف الأشمل لصحابة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في القوانين ذاتها.

لذلك، مُستبعد من المجلس الحالي أن يتبنى مشروعاً لاستعادة الوحدة الوطنية «الأصيلة» الحاضنة للتعددية الثقافية والفكرية، لأنه يتخطّى الخطوط الحمراء التي يحترمها المجلس.

بل إن عدداً من نوّاب هذا المجلس يتسابقون في ترسيخ الوحدة الوطنية الأحادية، لأنه من دواعي الحصول على الدعم السياسي والإعلامي من واضعي الخطوط الحمراء، خصوصاً إذا كان النائب منتمياً اجتماعياً إلى أحد الأطياف المتضرّرة من الأحاديّة.

وعليه، لا نملك إلا أن نلجأ إلى الشيخ حمد سنان، الذي تجاوز أحد الخطوط الحمراء، بدعوته إلى تبنّي التعدّدية في المجتمع، بخطوات واضحة وعملية، عبر خطبه الفريدة، ومن بينها تلك المعنونة «تمازج لا تعايش». ثم ندعوه إلى تبني مُقترح يُترجم ما جاء في تلك الخطبة ومثيلاتها، وهو مقترح إضافة أحكام الفقه الجعفري إلى الموسوعة الفقهية الكويتية.

فالموسوعة إصدار حكومي، ولذلك الإضافة المقترحة متّسقة مع الدستور، فضلاً عن كونها خطوة مستحقّة في اتجاه استعادة الوحدة الوطنية «الأصيلة» الحاضنة للتعدّدية الثقافية والفكرية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه»

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي