حث الإسلام على العلاقة السامية بين الزوجين التي تزيد من التماسك والاستمرار والمحبّة، ومَنَع ما يؤدي إلى الفساد والأضرار، شريعتنا ترفض كل ما فيه ضرر على الإنسان (لا ضرر ولا ضرار)، فلا يضر الإنسان نفسه ولا يضر من حوله، ومن تلك الأمور التي فيها الضرر الكبير زواج القاصرات؛ لأنه سبب في المعاناة النفسية والاجتماعية والأضرار الصحية والجسدية.
ومن أبرز الأضرار الجسدية للزواج المبكر وأخطرها الحمل في هذه السن، فالصغيرة إذا حملت تُصبح عرضةً لخطر الوفاة أثناء الولادة، بالإضافة إلى الأمراض التي قد تُرافق الحامل ولا يتحمّلها جسد في عمر المُراهقة، فضلاً عن ما يصيب الجنين من تشوهات خلقية، وهو ما أكده علماء الطب الموثوق بهم؛ ففي ذلك تأثير سلبي على الجنين وصحة الفتاة في سن مُبكّرة،؛ فإن جسدها في هذا العمر لا يزال في طور النمو، والفتاة في هذه السن غير مدركة لصحتها الإنجابية.
كما أن زواج القاصر له تأثيرات سلبية نفسية على الفتاة؛ فإنه يعكّر صفو حياتها عندما تعيش في ضغوطات ومسؤوليات صعبة لا تتحمّلها، وتتضاعف عند إنجاب الأطفال وتربيتهم، فالتربية ليست أمراً هامشياً، ولا تقوم به إلا من كانت مُهيّأةً للأمومة والتربية؛ فهي حياة جديدة تحتاج قوة جسدية، وقدرة على التربية، وتدريباً فكرياً لتنظيم الحياة الزوجية، ومن الطبيعي أن جهلها وعدم قدرتها على تحمّل تلك المشاق يسبب انهيار الزواج؛ فلا يتحقق الاستقرار مع الصغيرة.
ومن الشباب من يُقبل على زواج الفتاة الصغيرة تبعاً للعادات والتقاليد، التي عفى عليها الزمن، ولا ينظرون نظرة بعيدة لما يترتب عليه من سلبيات، وكذلك في بعض المجتمعات أو البلاد الفقيرة من يحث الصغيرة على الزواج للتخفيف من الضغوط المادية التي تعيشها الأسرة، ومع الأسف ترى من يفتي بجواز الزواج من البنت الصغيرة بلا بحث في جوانبها العلمية وتأثيرها على الحياة الزوجية.
ولا نغفل عن جانب مهم وهو الاختيار وليس الإجبار، فلا يجوز أن يجبر الأهل الفتاة على الزواج، يقول الحديث الشريف: (لا تنكح البكر حتى تستأذن) فالشريعة تمنع تزويج الفتاة القاصر إلا بأخذ إذنها ومشورتها.
الفتاة البالغة العاقلة تختار المرحلة التي تناسب الحياة الزوجية، فلا تُقبل على الزواج إلا إن كانت على يقين من قدرتها على تحمّل المسؤولية، فالزواج اتفاق بين الزوجين على إعطاء كل واحد منهما حقه، وتحمُّل التربية من الجانبين، وقدرة الزوج على الإنفاق.
ومع حياتنا المعاصرة تزداد المسؤوليات المادية، والحاجة العلمية لتربية الأولاد، فتحتاج الزوجة الاستمرار في دراستها لتوجيه وتربية الأولاد، وللحصول على الوظيفة للوقوف مع زوجها؛ ففي هذا الزمان صار الرجل بحاجة إلى الزوجة التي تعينه وتشاركه في تحمل الضغوط المادية، ولا تحصل على العمل اللائق والقدرة على التربية السليمة، والإلمام بالحياة كلها... إلا التي تعلّمت.
aalsenan@hotmail.com
aaalsenan @